أحسبت أن رزق الله ضاقت حدوده؟! أو ظننت أن فضل الله انحصرت موارده؟!
دع التشفي والتمني لما في أيدي الخلق! {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء:٣٢] ودونك ميادين العمل والكسب ففيها متسع لجميع السالكين، ومتنافس لكل الكادحين:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}[النساء:٣٢].
ثم دونك قبل ذلك وبعده عظيم الرجاء وعريض الأمل ففيه متسع للسائلين:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}[النساء:٣٢].
يا هذا: لو كانت النعم تزول بالحسد لم يبق الله عليك نعمة ولا على أحد من الخلق، فنعم الله لا تحصى وكل ذي نعمة محسود.
أيها المبتلى بالحسد: هل تأملت؟ لقد نزل بك ما كنت تتمناه لأعدائك، وحل بك ما يشتهيه لك أعداؤك، أردت المحنة لعدوك فاستعجلت محنتك، كيف لا وعساك تحسد رجلاً من أهل العلم والفضل أو من أهل البر والإحسان فتحب أن يخطئ أو يزال، وينكشف خطؤه ليفتضح، وتحب أن يخرس لسانه حتى يتلعثم ولا يتكلم، أو يمرض حتى لا يتعلم أو يعمل أي إثم تبتغيه؟ فليتك إذا فاتك اللحاق به تمنيت وسعيت لتكون مثله، ولكنك عجزت وقعدت ورضيت أن تبوء بإثمه فلا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!.
هلا نظرت وتفكرت أي سرور تدخله على عدوك إبليس؟ إن إبليس لما رآك محروماً من نعمة الورع والعلم والجاه والمال -أو هكذا تبدَّى لك- خاف أن تحب لأخيك ذلك الخير فتشاركه في الأجر بسبب المحبة، فمن أحب الخير للمسلمين كان شريكاً في الأجر، ومن فاته اللحاق بركاب الأكابر فلا ينبغي أن يفوته ركب حبهم، فخاف إبليس اللعين أن تحب ما أنعم الله على عبده من صلاح دينه ودنياه؛ فبغّضه إليك وأوقد في قلبك نار الحسد؛ حتى لا تلحق بحبك ما لم تلحقه بعملك، فانظر كيف نفذ فيك حسد إبليس وما نفذ حسدك في صاحبك.
الحسد -يا هذا- محاولة فاشلة، وحركة بائسة، تفضي إلى عكس مقصودها، وترجع سهامها إلى نحر راميها، الحسد لا يشفي غلة صاحبه بل يزيد غلته، ويضاعف كمده، ويعظم حسرته.
إن الحاسدين أمام قافلة المقادير كمثل الكلاب تنبح والقافلة تسير، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط، وقدر الله ورزقه نافذان لا محالة، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي عباد الله: {لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا (ويشير عليه الصلاة والسلام إلى صدره ثلاث مرات) بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه}.