أيها المسلمون: الوقت هو ظرف الزمان الذي يعيش فيه الأحياء، وتسير فيه الحياة من المولد حتى الممات في كل لحظة من لحظات هذا الزمن تخلع الموجودات قديمها، وفي كل آن من آنائه تلبس جديداً:{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[النور:٤٤].
الزمن يسير في اتجاه واحد لا يتوقف، الذاهب منه لا يُرد، والقادم منه لا يُوقف ولا يُدفع، والإنسان هو المخلوق من بين المخلوقات الذي يشعر بالزمن، ويدرك حركته، ويبصر آثاره، ويلحظ مسيره.
والناس في مدرسة الزمن بين غافل لا يرى للحياة لوناً، ولا يذوق لها طعماً، لا يختلف أمسه عن يومه، ولا يومه عن غده، وآخر حي يقظ، يشهد آثار الزمن في نفسه، وفي كل مظهر من مظاهر الحياة والأحياء:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}[الفرقان:٦١ - ٦٢].
القلوب اليقظة تتجدد فيها الحياة كلما دارت الأفلاك، وتتوثب فيها المنافسة كلما سارت الكواكب.
معاشر المسلمين: يقول الله: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:٥] يجريان بدقة بالغة، ويسيران بانتظام مستمر، وقد هدى الله الإنسان لإدراك مسيرهما، لينظم أوقاته، ويعرف اتجاهاته، فعرف الأفلاك في دورانها، والنجوم في سيرها ومنازلها، وتقلب الأيام في فصولها، صيفها وشتائها، وخريفها وربيعها:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}[الإسراء:١٢].
في تعاقب الشهور والأهلة مشهد الفناء على رءوس الأحياء، تمضي الأيام، وتمضي معها أشطار العمر وأجزاؤه في تقلب الزمن، وتجدد الأيام، ذكرى للقلب، وموعظة للنفس، ومزدجر للبشر.