ضابط آخر: إنه ليس لكل أحد الحق في أن يقول في دين الله ما لا يعلم، فباب الاجتهاد والفتوى يجب أن يكون مقصوراً على أهله.
ومع الأسف فإن فُشُوَّ القراءة والكتابة في الناس والمفهوم الخاطئ لحرية البحث العلمي جعلت أناساً يتجرءون على أحكام الله، ويتجاوزون حدود الله في اقتحام أبواب الحلال والحرام، ولم يعرف لهم زاد من العلم سوى ما يسمى بثقافة إسلامية عامة، فجعلوا مساحة الحلال والحرام مباحة لكل من هب ودب؛ فظهرت أقوال من غير خطم ولا أزمة، ونزعت الثقة في أولي العلم والأئمة.
ومسئولية حراسة ذلك يجب أن يتولاها العلماء الربانيون المخلصون، والمراكز الإسلامية العريقة المعروفة، إذا أخلصت لله وبنت منهجها وطريقها على الإخلاص لشرع الله، فبهذا تستعيد مكانتها وموقعها، وتحمي حمى الدين وساحة الأحكام، كدور الإفتاء والقضاء الشرعي وهيئات كبار العلماء.
ومما يعين على تحقيق ما جاء في الفقرة السابقة محاولة الاجتهاد الجماعي، واستصدار الأحكام الفقهية في القضايا المستجدة والوقائع الملحة، وذلك بإعطاء المجامع الفقهية مكانتها اللائقة بها، كمنتدى لكبار فقهاء الأمة بعيداً عن المؤثرات الخارجية والتوجهات السياسية وغير السياسية؛ ذلك أنه قد كثر الأدعياء، وانتشر المغرورون والمتهورون والمتهتكون الذين لو فتح لهم الباب لاجترءوا على حدود الله وغيروا معالم الشرع إرضاءً لنزوة، أو سعياً لشهرة، أو اتباعاً لهوى، ويصبح الدين والناس فوضى، فَيَضِلوا ويُضِلوا.