للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتقاد دوام الشريعة ومواكبتها للجديد]

ضابط آخر: وهو منطلق عقدي صرف، أخاطب به أهل الإسلام، ومن لا يؤمن به فلا خطاب لنا معه، ذلكم هو ما يجيب عليه هذا التساؤل أو هذا

السؤال

كيف يتأتى للشريعة التي نزلت قبل أربعة عشر قرناً أن تواكب ما جَدَّ في حياة الناس من تغيرات؟

الجواب -كما أسلفت- عقدي إيماني نابع من الإيمان بالله الحق العليم الحكيم، فكأن هذا المتسائل أو المتشكك يظن أن الله لم يكن يعلم -تعالى الله- حين أنزل هذه الشريعة أن أموراً ستجدّ في حياة الناس تختلف عن الأوضاع التي كانوا عليها يوم نزلت هذه الشريعة، إذاً: كأنه يشك في علم الله.

ويقول: إن حكمته سبحانه تقتضي ألا ينزل شريعة غير ممكنة التطبيق، إلا في حيز من الزمن، ثم يلزم الناس بها إلى يوم القيامة، ألا ساء ما يظنون!

ولكي يزداد الأمر وضوحاً في هذا الأمر الإيماني: لو نظرت إلى بعض الضعاف في هذا المضمار ممن استهوتهم حضارة الرجل الأبيض، وسولت لهم أنفسهم السوء، ويحبون أمام الناس أن يبقى لهم الانتساب إلى الإسلام مع اتباعهم أهواءهم، فهم يريدون إسلاماً على مزاجهم، أو على مزاج إخوانهم في الغي من المستشرقين والمستغربين والذين في قلوبهم مرض، فتبدأ مقولتهم بأنهم لا يأخذون بأقوال الفقهاء والمفسرين والشراح والمحدثين، فهم بشر ورجال، ولا تعبد بآراء الرجال، ولا يأخذون إلا من الكتاب والسنة.

ثم يتدرج بهم الأمر بأن يأخذوا بالقرآن والمتواتر من السنة وما كان قطعياً في ثبوته ودلالته، فالسنة فيها الضعيف والمردود والموضوع، بل حتى أخبار الآحاد فيها عندهم نظر، ثم يتدرجون ليطعنوا في بعض الدلالات ليقولوا: إن القرآن إنما كان يعالج أوضاعاً وبيئات قد اندرست، ويهتم بشئون مجتمعات بدائية وبدوية، وقد يترقى بهم الحال -كما يقول الشيخ القرضاوي - ليقولوا: إن القرآن إذا قال: إن الخنزير رجس فإنما كان ذلك في خنازير سيئة التغذية، أما خنازير اليوم فتلقى عناية خاصة.

وحينما ينظرون في الميراث، وفيه للذكر مثل حظ الأنثيين، يقولون: إنما كان ذلك قبل أن تخرج المرأة إلى ميادين العمل وتثبت وجودها في جوانب الحياة المختلفة، والخمر حرم في بيئة حارة، ولو نزل القرآن في بيئة باردة لكان له حكم آخر، وهكذا نلاحظ التحلل من الأحكام وترقي الأمر إلى نسبة الله عز وجل إلى الجهل بشئون خلقه وما يضرهم وما ينفعهم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.