[وقوع الناس في قوادح التوحيد]
الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، حمى حِمى التوحيد، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، فأظهر الله به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: تحقيق التوحيد يحتاج إلى يقظة قلبية دائبة دائمة، تنفي عن النفس كل خاطرة تقدح في عبودية العبد لربه، وتدفع كل خالية شيطانية في كل حركة أو تصَرُّفٍ ليكون ذلك كله خالصاً لله وحده دون مَن سواه.
ومع شديد الأسف -أيها الإخوة- فإن قوادح التوحيد ونواقضه صارت عند كثير من الناس من أخفى المعاصي معنىً، وإن كانت من أجلاها حكماً، فلظهور حكمها ترى المسلمين عامتهم يتبرءون منها، ويغضبون كل الغضب إذا نُسبوا إليها، وهم في هذا الغضب محقون، ولكن لخفاء معناها وقع فيها من وقع وهم لا يشعرون.
ولقد قرر أهل العلم أن الخوض في قوادح التوحيد والحديث عن مظاهر الشرك هي طريقة القرآن، وذلك من أجل تحذير المسلمين وليس الحكم عليهم به، فـ أهل السنة والجماعة لا يُكَفِّرون أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا زال أهل العلم يتكلمون عن أحكام الردة وأسبابها، وطرق الزيغ والضلال، ومسالك الابتداع، والتحذير منها، فمن علِم العقائد الصحيحة وعلَّمها ودل عليها، ونبه إلى طرق الزيغ والكفر والبدع؛ فقد سلك مسلك حق، ونهج منهج نصح.
وإن مما ينبغي التنبيه إليه أن من الخطأ في المنهج، وعدم التوازن في العرض وطرق التعليم أن ترى كثيراً من الكتب والمؤلفات تفصِّل في الفروع وأحكام المسائل حتى النادر منها وبعيد الوقوع، وهذا شيء في بابه حسن، ولكنهم لا يَعْنَون بالأصول مما يحتاجه الناس والناشئة، فلا يفصِّلون في التوحيد وأنواعه وحقوقه، ولا يبينون ضده من الشرك وأنواعه ومظاهره وأسبابه.
وثمة خطأ منهجي آخر، وهو أن المتقدمين رحمهم الله سلكوا في باب العقائد مسالك كلامية، ومصطلحات منطقية، فخفي على الناس كثير من مهمات العقائد وأصول الدين، ولو سلكوا مسلك القرآن في البيان، لكان المتعلمون والناس أحرى بهداية الله وفضله في هذا الباب.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: ينبغي منع من يُشْهِر علم الكلام بين العامة لقصور أفهامهم، ولأنه لا يؤمَن عليهم من الزيغ والضلال، ولا بد من أخذ الناس بفهم الأدلة على ما نطق به القرآن ونبه عليه؛ إذ هو بيِّنٌ واضح يُدْرَك ببداهة العقل.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- وأخلصوا دينكم لله، وحققوا توحيدكم، وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد رسول الله، حامي جناب التوحيد، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز قائلاً عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين.
اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واهدهم لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين!
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.