كثيرٌ من الناس إذا دعوا إلى الله وإلى خشيته، يقولون: إن الله قدر المقادير، ويحتجون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:{إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها الحديث} فماذا يكون الرد على مثل هؤلاء جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الأمر الأول: لا أدري هل أنت تعد نفسك من أصحاب النار، أو من أصحاب الجنة، لأنك تقول: فيسبق عليه الكتاب، ما أدري أعددت نفسك من أيهما، معلوم أنك لا تدري ولا تعلم.
ثم أيضاً الاحتجاج بالقدر لا شك أنه إما احتجاج عاجز وإما متبع للهوى، لأن الله عز وجل حينما كلف المكلف إنما كلفه بأشياء في حدود استطاعته البدنية، والفكرية وتحت قدرته، فالأمور التي لا تقدر عليها، وليس لك فيها اختيار، ليست محل تكليف، وهذا أمر معلوم، فحينما تسقط من السطح أو حينما يصيبك مرض، فالله عز وجل لا يسألك عن المرض، ولا يسألك عن السقوط، وإنما يسألك عما هو في حدود قدرتك، وهو الصبر مثلاً؛ لكن لا تقول لماذا مرضت؟ ولماذا جرحت؟ وإنما هل صبرت أم لا؟ فالله يبتلي بالخير ويبتلي بالشر، فبالشر يكون الصبر، وعلى الخير يكون الشكر، ونحو ذلك هذه واحدة.
والأمر الثاني: أن القدْر نوعٌ من القدَر ليس مجبراً، وهو بمعنى علم الله عز وجل بما هو كائن، والمقصود هنا -والله أعلم- هو علم الله بما هو كائن، ولا يترتب عليه إجبار، تعالى الله عن التشبيه والتمثيل، لو أن عندك ولدين، فتقول لأحدهما: أنت سوف تنجح هذا العام، وتقول للآخر: أنت لن تنجح، وأنت قصدت بهذا الذي ينجح، لأنك رأيته مجتهداً، ورأيته مقبلاً على دروسه، ورأيته مذاكراً ومهتماً بأعماله المدرسية يومياً، ونحو ذلك مما يكون مؤدياً إلى النجاح، ورأيت في الآخر إهمالاً وكسلاً، فقلت للمجد: أنت ناجح، وقلت للكسول: أنت غير ناجح، ثم جاء الامتحان، ونجح فعلاً من قلت إنه سوف ينجح، ورسب من قلت إنه لن ينجح، هل ممكن أن الذي رسب سوف يحتج عليك، ويقول: يا أبي! أنت قلت كذا وكذا؟ وهل كان علمك مجبراً؟ فإذا كان بحق البشر وهم يعلمون بمجرد بعض الظواهر، فكيف بالله تعالى المحيط بكل شيء علماً، فهذا نوع من القدر هو بمعنى علم الله تعالى، وهذا هو المقصود والله أعلم.