بعد هذه التقدمة الإجمالية أقول: إن من المعلوم أن مصادر التشريع الأساسية هي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ثم بعدها مصادر توصف بالمصادر التبعية، وأحياناً يعبر عنها بالمصادر المختلف فيها، أي أنها مبنية على المصادر السابقة -الكتاب والسنة والإجماع والقياس- ومنبثقة منها وفي إطارها، لا تعدوها ولا تخرج عنها.
وهذه المصادر يوجد اختلاف في اعتبار بعضها لدى المجتهدين من أهل العلم.
ومن أبرز هذه المصادر التبعية: المصلحة المرسلة العرف الاستحسان الاحتياط سد الذرائع قاعدة الضرر والضرورات عموم البلوى الاستصحاب والبراءة الأصلية.
والمقام لا يتسع لبسط القول في هذه المصادر كلها، وإن كانت مناسبة الحديث تقتضي ذلك، ولكن محدودية الوقت ومزاحمة العناصر الأساسية لأصل الموضوع تلجئ إلى الاختصار، فأستسمح الحضور الكرام العذر في بعض الاقتضاب، الذي أرجو ألا يكون مخلاً.
وفي مدخل هذا الموضوع أقول: إن هذه المصادر من العرف والاستحسان والمصلحة هي المحك الدقيق، والمرتقى الصعب في النظر فيما بسطه علماء الأصول والقواعد -رحمهم الله- حينما بحثوا في أعراف الناس وحاجاتهم وضروراتهم وأثر المتغيرات والأحداث على استمساكهم بدينهم وعلى انتظام أمور معاشهم، وكان ذلك معتركاً دقيقاً يجب التثبت فيه على ما سيتبين إن شاء الله.
وعليه فإن الحديث سيكون متناولاً ثلاث قضايا رئيسية:-
أولاها: استعراض لبعض هذه المصادر التي نعتبرها قواعد أساسية تنطلق منها أحكام التغيير المنبنية على هذا التغيير، على أنني سوف أنهي الحديث عن كل مصدر بما يضبطه بخصوصه.
ثانيها: ضوابط عامة في النظر في المتغيرات.
ثالثها: نماذج من الاجتهادات الفقهية في هذا المضمار.