للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التسعير]

ومن التطبيقات أيضاً التسعير؛ فقد غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له بعض الصحابة: سعر لنا.

فقال: {إن الله هو المسعر القابض الباسط، وإني أرجو أن ألقى الله وليس في عنقي مظلمة لأحد} ظاهر الحديث يدل على المنع من التسعير مطلقاً وفي كل حال، ولكن لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله توجيه دقيق في فقه هذا الحديث، وهو يقول: إذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر إما لقلة الشيء وإما لكثرة الخلق فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق.

أي أن السعر إذا كان خاضعاً -كما يقول الاقتصاديون- لقانون العرض والطلب، فليس لولي الأمر التدخل حين ذاك؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو القابض الباسط.

أما إذا امتنع أرباب السلع -والكلام لـ ابن تيمية - من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمتها، قال: ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل.

وأصرح من ذلك ما قاله الإمام أبو بكر بن العربي في شرحه على الترمذي قال: سائر العلماء بظاهر الحديث -أي: يأخذون بظاهر الحديث- لا يسعر أحد، والحق التسعير وضبط الأمر على قانون لا تكون فيه مظلمة على أحد من الطائفتين، وذلك قانون -والكلام لـ ابن العربي - لا يعرف إلا بالضبط للأوقات ومعايير ومقادير الأحوال وحال الرجال، والله الموفق للصواب، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق وما فعله حكم، لكن على قوم صحت نياتهم واستسلموا لربهم، أما قوم قصدوا أكل الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع، وحكمه أمضى هذا كله كلام القاضي أبي بكر بن العربي.

ويقول ابن القيم: وجماع الأمر أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير، سعر عليهم تسعير عدل، لا وكس ولا شطط، وإذا اندفعت حاجتهم وقامت مصلحتهم بدونه لم يفعل انتهى كلام ابن القيم.

وعليه فإذا تغير حال الناس وفشا الطامعون وانتشر المتلاعبون في أسواق المسلمين، فليس في الحديث ما يمنع من ضرب اليد على هؤلاء، وإلزامهم بالعدل، ورفع الظلم عن الفئتين.

وبقي أن تعلم أن هذا الرأي وهذا النهج هو نهج بعض فقهاء التابعين والمالكيين وبعض الحنبليين.