[الأصل الخامس: التجرد وقصد الحق والبعد عن التعصب والالتزام بأدب الحوار]
إن اتباع الحق والسعي للوصول إليه، والحرص على الالتزام به هو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم لا عوج فيه ولا التواء، ويحول دون الانسياق وراء الهوى سواء كان هوى النفس، أو هوى الجمهور، أو هوى الأتباع، والعاقل -فضلاً عن المسلم الصادق- طالب حق، باحث عن الحقيقة ينشد الصواب، ويتجنب الخطأ، يقول أبو حامد الغزالي: التعاون على طلب الحق من الدين، ولكن له شروط وعلامات:
منها: أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد معاونه، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهره له.
ومن مقولات الإمام الشافعي رحمه الله المحفوظة: ما كلَّمتُ أحداً قط إلا أحببت أن يُوفق ويُسدد ويُعان وتكون عليه رعاية الله وحفظه، وما ناظرني فباليت أظهرت الحجة على لساني أو على لسانه.
وفي ذم التعصب يقول الغزالي أيضاً: إن التعصب من آفات علماء السوء، فإنهم يُبالغون في التعصب للحق، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة، بمعنى: أنهم يتناظرون على أنهم متساوون، وأن كل واحدٍ يُحاول أن يرى أنه يدلي الآخر أو نحو ذلك مما كان ينبغي أن يكون متواضعاً، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة، وتتوفر بواعثهم على طلب نصرة الباطل، ويقوى غرضهم بالتمسك فيما نسبوا إليه ولو كان باطلاً، ولو جاءوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه، ولكن لما كان الجاه -أي: أنهم أصحاب هوى وجاه- لا يقوم إلا بالاستتباع، ولا يستنير الأتباع مثل: التعصب، واللعن، والتهم للخصوم، فاتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم.
انتهى كلامه.
والمقصود من كل ذلك: أن يكون الحوار بريئاً من التعصب، خالصاً لطلب الحق، خالياً من العنف والانفعال، بعيداً عن المشاحنات الأنانية والمغالطات البيانية مما يفسد القلوب ويهيج النفوس، ويُولد النفرة، ويُوغل الصدور، وينتهي إلى القطيعة، وهذا الموضوع سوف يزداد بسطاً في الحديث عن آداب الحوار.