إن من الناس من يأبى أن يسعى في الصلح بين فلان وفلان، ومنهم من يأنف أن يعرف الناس أنه قد دخل في مصالحة مع فلان، وآخر يصر على أن تكون المبادرة من خصمه وتمشياً مع هذا المسلك، وتمشياً مع هذه المسالك السرية، والتحركات المحبوكة، أذن الشارع للمصلح بنوع من الكذب في العبارات والوعود، قال عليه الصلاة والسلام:{فليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس، فيبني خيراً أو يقول خيراً} وفي خبر آخر عنه عليه الصلاة والسلام يقول: {لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: رجل يصلح بين اثنين، والحرب خدعة، والرجل يستصلح امرأته}.
يقول نعيم بن حمّاد: قلت لـ سفيان بن عيينة: أرأيت الرجل يعتذر من الشيء عسى أن يكون قد فعله، ويحرف فيه القول؛ ليرضي صاحبه، أعليه فيه حرج؟ قال: لا.
ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم:{ليس بكاذب من قال خيراً أو أصلح بين الناس} وقد قال الله عز وجل: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}[النساء:١١٤] فإصلاحه فيما بينه وبين الناس أفضل إذا فعل ذلك لله، وكراهة أذى المسلمين، وهو أولى به من أن يتعرض لعداوة صاحبه وبغضه، فإن البغضة حالقة الدين.
قلت: أليس من قال ما لم يكن فقد كذب؟ قال: لا.
إن الكاذب الآثم، فأما المأجور فلا.
فالمصلح يخبر بما علمه من الخير، ويسكت عما علمه من الشر والنقص