للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المنحرفون عن الصراط المستقيم]

ثم قال تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧].

هذا بيانٌ لطرفي الانحراف عن الصراط الحق المستقيم، فأحدهما طريق أهل الغضب الذين عدلوا عن الحق قصداً وعناداً، فعندهم فساد في القصد والعمل، والثاني طريق أهل الضلال الذين عدلوا عنه جهلاً وضلالاً، فعندهم فساد في العلم والاعتقاد، فالعالم بالحق المتبع لهواه من المغضوب عليهم، والجاهل بالحق من الضالين، فالمغضوب عليهم ضد المرحومين، والضالون ضد المهتدين.

واليهود أنموذج للمغضوب عليهم؛ لأنهم ممن عرف الحق واستبان له؛ فكفر به وجحده، يقول سبحانه: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [البقرة:٩٠]، وقال سبحانه: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة:٦٠].

والنصارى أنموذج لأهل الضلال، يقول سبحانه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:٧٧].

وفي الترمذي وصحيح ابن حبان من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {اليهود مغضوبٌ عليهم، والنصارى ضالون} قال الترمذي: حسنٌ غريب.

أيها المسلمون: وكل عبدٍ محتاج دائماً إلى هذا الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧] فإنه لا نجاة في الدارين إلا بهذه الهداية، ولا وصول إلى السعادة في الحياتين إلا في ذلك، ومن فاته الهدى فهو إما من المغضوب عليهم وإما من الضالين، فالصراط المستقيم يجمع أحوال الإنسان كلها من العقائد والعبادات والمعاملات والآداب.

قال الله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧] من الأفراد الأتقياء، والأمم الفاضلة الذين بهم الاقتداء والتأسي {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] يجمع أحوال أهل الفساد والأهواء أفراداً وجماعاتٍ، وأحزاباً وطوائف؛ لاجتناب طريقهم والحذر من مسالكهم.

وبعد يا عبد الله! فلا جرم! فقد حصل من معاني هذه السورة العظيمة أم القرآن علمٌ إجمالي بما حواه القرآن الكريم من المقاصد والمعاني والأغراض، فلا غرو أن تكون فاتحة الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني.

رزقنا الله حسن تلاوة كتابه والعمل به، وجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:٨٥ - ٨٧].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.