[الحسد تعريفه وأضراره]
الحمد لله على نعمه التي لا تعد، وإحسانه الذي لا يحد، سبحانه وبحمده، لا إله إلا هو عليه المعتمد وإليه المستند ومن المستمد، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده الفضل، وقوله الفصل، ويأمر بالإحسان والعدل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله كامل الحسن والنسب، وله العالي من الرتب، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه المتقربين بأحسن القرب، والتابعين لهم بإحسان في طهارة القلوب وسلامة الصدور وكمال الأدب.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوه رحمكم الله، فمن اتقاه رزقه سعادة الأبد، وبارك له في المال والأهل والولد: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:٤].
أيها المسلمون: داء اجتماعي خطير يحتاج إلى حملة تطهير حملة تلين القلوب المتحجرة، وتحل الأنامل المعقودة، وتتنفس فيها الصدور المتغيظة إنه داء من أدواء القلوب، شر من البخل والحرص، وأشد من الطمع والشح، بل هو أشر أنواع البخل وأذل ضروب الحرص.
إنه مرض عضال يصيب الغني والفقير، والواجد والمحروم، والعالم والجاهل، والوجيه والمطيع.
إنه داء يبخل الإنسان فيه بما ليس عنده، ويشح بما ليس في ملكه سبحان الله يا عباد الله! هل يتصور أن أحداً يمنع ما ليس عنده أو يبخل بما ليس في ملكه؟!
نعم -أيها الإخوة- إنه الحسد وما أدراك ما الحسد؟!
لقد قالوا: البخيل يبخل بماله، والشحيح يبخل بمال غيره، أما الحسود فيبخل بنعم الله على عباده.
أي وضاعة وأي صغار أن يترسب الغل في أعماق بعض النفوس حتى لا يكون لخروجه من سبيل؟! بل لا يزال يموج في جوانبها كما يموج البركان المكتوم، وكثير من أولئك لا يستريحون إلا إذا أرعدوا وأزبدوا وآذوا وأفسدوا.
إن من قلة الديانة وظهور الدناءة أن تحل الأثرة في بعض الناس فتجعله يتمنى الخسارة لصاحبه، والفشل لرفيقه؛ لا لشيء إلا لأنه لم يربح بنفسه ولم يفز بجهده.
جمهور الحاقدين الحاسدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم؛ لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما يتمنونه لأنفسهم قد امتلأت به أكف غيرهم، إنه غليان إبليسي يضطرم في نفوس الحساد، وتفسد به قلوبهم، هذه النفوس الحاسدة الحاقدة لو وكلت على خزائن الله لأغلقت أبوابها: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ} [الإسراء:١٠٠].
أيها الإخوة الأحبة: يقول أهل العلم: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء؛ إذ حسد إبليس آدم فامتنع عن السجود، وما منعه إلا الحسد: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢] وهو أول ذنب عصي الله به في الأرض حين قتل قابيل أخاه هابيل: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].