للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار السيئة لحوادث الطريق]

الحمد لله ولي الحمد، أحمده سبحانه وأثني عليه بما ينبغي لجلاله من الثناء والتمجيد، وأشكره على سوابغ نعمه وقد وعد الشاكرين بالمزيد، فقال في كتابه المجيد: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء شهيد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صاحب الملة الحنيفية ورافع لواء التوحيد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الرأي الرشيد والحكم السديد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

معاشر المسلمين: حوادث الطرق حربٌ مدمرة بمعداتٍ ثقيلة، تنزف فيها الدماء، وتستنزف فيها الثروات، حرب معلنة ليس فيها إلا كاسب واحد هو الإهمال، وضعف التربية، ونقص الوعي، والتخلي عن المسئولية، ولن يكون فيها الانتصار بإذن الله إلا إذا أعلن الجميع حالة النفير، ما تستقبله المستشفيات والمقابر، وما تحتضنه مراكز التأهيل وملاجئ الأيتام ودور الرعاية الاجتماعية كل ذلك أو جله ضحايا التهور وعدم المسئولية، قطع للأيدي، وبتر للأرجل، وكسر للعظام، موتى، ومشلولون، ومقعدون في صورٍ مأساوية تصحبها دموعٌ وآهات، وتقلبات وأنات، مركباتٍ متنوعة ووسائل نقل متعددة، يساء استخدامها ويقودها من لا يقدرها حق قدرها، فتحصد الأرواح وتهدر الممتلكات، نتاجها هلكى ومعاقون وعجزة، يهلكون أنفسهم ويرهقون اقتصادهم، ويبقون عالة على مجتمعهم ودولتهم.

لا بد من التربية والتوجيه من أجل بناء إرادة قوية ومسلكٍ صحيح، لوقف النزوات الطائشة في فعل حضاري ذي أبعادٍ إنسانية نبيلة، يمتزج فيه الرفق مع الصرامة، والعقاب مع التوجيه، والتربية مع المحاسبة، جدية من خلال احترام النظام والدقة في تطبيقه، والعدالة في تنفيذه، والقدوة في التزامه، يكون فيه الأب لأبنائه قدوة، والأخ الأكبر لإخوانه قدوة، والمعلم لتلاميذه قدوة، والمسئول لمن تحته قدوة، لا بد مع معالجات السلوكيات الخاطئة، والمفاهيم المغلوطة، وممارسات المراهقين والأحداث وتهورات الشباب.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، والتزموا آداب دينكم، فالسير الآمن مقصدٌ من مقاصد الشريعة ووصفٌ بارز من صفات عباد الرحمن: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:٦٣] وأدب رفيع من آداب القرآن الكريم: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:٣٧].

ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله، فقال قولاً كريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وذريته، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين!

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين!

اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان، اللهم قوِّ عزائمهم، واجمع كلمتهم، وسدد سهامهم وآراءهم.

اللهم وأنزل عليهم نصراً من عندك، واجعل اللهم الدائرة على أعدائهم، وشتت شملهم، وفرق جمعهم، واهزمهم وزلزلهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وفك أسرانا، وأصلح لنا شأننا كله، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.