للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التاريخ العمري في حياة الأمة الإسلامية]

أيها الإخوة: وهذه وقفةٌ معاصرة، يستبينها درس الهجرة، تبين مدى ما أصاب المسلمين من غفلةٍ واستكانة وانهزام، ومدى ما بلغه الأعداء من تمكنٍ وهيمنة.

حساب السنين بتاريخ الهجرة سُنَّةٌ عُمَرية، هدى الله عز وجل إليها أمير المؤمنين المُحَدَّث عمر بن الخطاب وإخوانه من الصحابة، رضوان الله عليهم، حين تشاوروا في وضع تاريخ يبدأ منه حساب المسلمين، لقد اتفقوا على حدث الهجرة، لأنه الحدث الذي قامت به دولة الإسلام، وصارت به للمسلمين دار، ونشأ لهم به كيان، وشهر الله المحرم جاء بعد شهر الحج، والحج هو آخر الفرائض الكبرى تشريعاً.

فاليوم في الإسلام يبدأ من غروب الشمس، والشهر يبدأ من ظهور الهلال، والسنة تبدأ من شهر الله المحرم، هذا هو تاريخ المسلمين، وهذا ما جرى عليه عملهم، وتعاملوا به في كتبهم ومكاتباتهم، ومواعيدهم وآجال حقوقهم وديونهم، إنه تاريخٌ في ذاكرة كل مسلم، عند إشراقة شمس كل يوم، وإطلالة كل شهر، وحلول كل عام.

وظل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، يؤرخون به أحداثهم، ويسجلون به وقائعهم، ويكتبون به مكاتباتهم، ويثبتون به مواعيدهم، ويقدِّرون به أعمارهم، بل تقوم جملةٌ من الأحكام على هذا التاريخ المجيد.

لقد صار هذا التاريخ مترسخاً في نفوس كل المسلمين، عامتهم وعلمائهم، منذ الطفولة المميزة وحتى الشيخوخة المتأخرة، فهو مرتبط بهم ارتباط الأحكام بمواقيتها: في الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وفي جزئيات الأحكام: في العيدين، وأيام البيض، وستٍ من شوال، وعشرٍ من ذي الحجة، وأيام التشريق، وعاشوراء، في أحكامٍ وأيام لا تقع تحت حصر، يضاف إلى ذلك أيام الإسلام المجيدة المرتبطة بأحداث التاريخ، من مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرته، وأيامه، ثم فتوحات الإسلام من بعده في القادسية، واليرموك، وفتح الأندلس، وحطين، والقسطنطينية، وكل انتصارات المسلمين، وتاريخ أئمة الإسلام وأعلام الأمة.