[أمثلة لاتباع الهوى]
نبدأ في قضية التدخين: قبل ثلاثين سنة كان التدخين يمكن أن يظن أنه يضر، أو لا يضر، أو حرام، أو ليس بحرام، أي أن أضرار التدخين لم تكن متبلورة ولا واضحة، أما الآن فقد أجمع الأطباء والعلماء، وأجمع العالم على أنه ضار، ووضعوا الملصقات، بل حتى وسائل المكافحة أنه ضار بالاتفاق، ومع هذا يقدم الإنسان على التدخين!
لو أنك وضعت طعاماً متعفناً أمام بهيمة، هل يمكن أن تأكله؟ لن تأكله سوف تقترب منه ثم تكف مباشرة، أما ابن آدم فيقول: هذا ضار، وهذا ممنوع، ومع هذا يستمر في هذه الحالة ألا يكون أضل من بهائم الأنعام؟ بهيمة الأنعام تصل إلى حال أنها تترك الضار، أما الإنسان فمع علمه أنه ضار ولكن يتعاطاه.
هناك قضية أشد: الخمر أضراره والأمراض التي يسببها متفق عليها، سواء في الرئة، أو في الكبد، أو في المعدة، والأطم والأطم المخدرات! كيف البلاء بالمخدرات؟ حينما ترى صاحبها -نسأل الله السلامة- يقع بشكل مزري، ولو كان هناك تضليل أكثر من الأنعام فإنه يستحقه يضيع ماله، ويضيع عقله، بل -يا إخواني- إنه مستعد أن يضيع عرضه -نسأل الله السلامة- فإن من لا يستطيعون أن يحصلوا على المخدر مستعدون أن يبذلوا كل شيء حتى عرض زوجته وعرض ابنته -نسأل الله العافية والسلامة- إلى هذه الدرجة يصل الإنسان!!
إذاً: فعلاً لا يتذكر إلا من له قلب، واستعمل عقله، وما أعطاك الله العقل إلا لتتميز به، وإن لم تتميز به صرت بهيمة، وأشد من البهيمة.
نأتي إلى جانب الكفار الكفار -فعلاً- اكتشفوا ما اكتشفوا، وصنعوا ما صنعوا، لكنهم ضلوا حتى ضروا أنفسهم نِسب الانتحار عندهم أشد، نِسب الطلاق وتفكك الأسر أشد وأشد، عندهم العيادات النفسية بشكل عجيب، لماذا؟
لأنهم لم يأخذوا إلا بالجانب المادي فقط، بل وأفسدوا الجانب القلبي، والجانب الديني، والضمير؛ لأنه لا تأتي هذه إلا عن طريق التذكير والتعليمات الدينية الصحيحة، فالله عز وجل يقول: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً} [يس:٧٠] ويقول: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:٣] {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأنعام:٣٦] {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٢ - ٢٣] {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر:٨].
نأتي إلى قضية أخرى: إذا كان هذا هو التذكير، ووظيفة المذكر أن يبين للناس ويجتهد، ويتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يبذل ما يبذل، ويشق عليه ضلال قومه، حتى قال الله له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف:٦] لكن ينبغي أن يعرف وظيفته: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢١ - ٢٢] {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:٩٩].
الجانب الثاني: ينبغي على المتذكرين والموعوظين والمنصوحين أن يراجعوا قلوبهم، ويراجعوا أنفسهم، لماذا لا يستفيدون؟
إذاً: القضية فيها وفيها، وأكثر ما فيها -يا إخواني- الهوى، والله لا يصرف الإنسان عن الخير إلا الهوى سواء كان هوىً وظيفي، أو هوىً مالي، أو هوىً زوجي، أو هوى الأولاد: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:١٥] {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران:١٤].
إذاً: هذا هو المذكر، وهؤلاء هم المذكَّرون.