[مظاهر الوحدة في صلاة الجماعة والحج]
الحمد لله، أعطى فأجزل، ومنَّ فأفضل، أحمده سبحانه وأشكره، أتم علينا النعمة ورضي لنا الدين وأكمل، وأتوب إليه وأستغفره من التقصير فيما أقول وأعمل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الظاهر والباطن، والآخر والأول، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخلق الأفضل، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما ليل أدبر وصبح أقبل، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: يُولي المسلمون وجوههم شطر المسجد الحرام؛ لتبرز من خلال ذلك وحدة المسلمين وجماعتهم، التفاف حول هذا البيت، من خلال -عمود الإسلام- الصلاة المفروضة؛ والتي تبدأ بأهل الحي، وتنتهي بالتجمع الأعظم يوم الحج الأكبر.
صلاة الجماعة قاعدة وأساس، وصلاة الفرد فذ واستثناء، جاء في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: {صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكلما كثر فهو أحب إلى الله} أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة بإسناد حسن.
والمؤذن للصلاة هو داعي الجماعة: {أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: أجب، لا أجد لك رخصة}.
وصلاة الجمعة صورة ليس لها نظير في تجمع يجمع على الصلاة والموعظة والنصيحة ومعالجة القضايا؛ ليتأكد استمرار الجماعة على الجادة الراشدة.
وشعائر العيدين تجمعٌ مشهود، يحضره الرجال والنساء حتى ربات الخدور جماعةً وبهجة في ظل الالتزام بخلق الإسلام.
ويأتي التجمع الأخطر والاحتفاء الأكبر، حين يؤذَّن في الناس بالحج: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:٢٧].
تجمعٌ عظيم، لا يعوقه اختلاف الألسنة والألوان، ولا تشعب الأعراق وتباعد الأوطان، فعقيدة الإسلام في سهولتها وفطرتها وحنيفيتها وقبلة المسلمين في قداستها تؤكد هذا الرباط الوثيق من الأخوة والوُد، لينطقوا جمعياً بلسان عربي مبين: (لبيك اللهم لبيك).
إنهم جميعاً في موقف العبودية لله وحده: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٩٢].
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واعرفوا نعمة الله عليكم في دينكم وعباداتكم، وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ.
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائلاً عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك وجودك يا أكرم الأكرمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.
اللهم آمِنا في أوطاننا، واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، وارزقه البطانة الصالحة، ووفقه لما تحب وترضى، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رُشد، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك، ويُؤْمَرُ فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعزاز دينك وإعلاء كلمتك، اللهم انصرهم في فلسطين، وفي كشمير، وفي الشيشان، وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم عليك باليهود فإنهم لا يعجزونك، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، وأنزل عليهم رجزك وغضبك إله الحق، اللهم انصر إخواننا عليهم، اللهم سدد سهامهم وآراءهم، وأنزل عليهم نصرك وتأييدك، اللهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم واجعل ما أنزلته قوةً لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللهم وأنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.