[كيفية التعامل مع المستهزئين بالدعوة والدعاة]
وردت إلينا أسئلة كثيرة ومعظمها صدرت بقولهم: إنا نحبك في الله يا شيخ.
أحبكم الله الذي أحببتموني فيه، وجعلنا الله وإياكم وإخواننا الحاضرين والمستمعين من المتحابين فيه.
السؤال
كيف يتعامل الداعي مع المستهزئين الذي يسخرون من الدين من جهة، ومن طيب الداعي وحسن تعامله ووصفه بأنه درويش أو لا يعيش الواقع، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أظن أن الدعاة في هذا العصر ليسوا أول من استهزأ بهم، بل هذا هو شأن الأنبياء، وأنتم الدعاة المخلصون -إن شاء الله- ورثة الأنبياء، وأسوتكم الأنبياء، والذين يخالفونكم ويعاندونكم ويعارضونكم قد عارضوا من هو أفضل منكم، وما لاقى الأنبياء في كثيرٍ من مواطنهم إلا الاستهزاء والاستكبار والاتهامات العريضة ساحر، مجنون، حتى قال الله عز وجل لجميع الأمم: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذريات:٥٣] لما ذكر قصة إبراهيم، ثم موسى، ثم هود، ثم صالح، ثم نوح في سورة الذاريات، ثم جاء خطاب محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:٥١ - ٥٣].
إذاً: هذا مسلك يجب أن تعرفه، لابد أن تجد من يستهزأ، ولا بد أن تجد ممن يسميك درويش مغفل متحجر معقد، أما إذا كنت تريد طريقاً كما يقال بالتعبير المعاصر: مبسوطاً أو مفروشاً بالورود، فهذا لا يمكن: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:٢١٤].
ولماذا اللين وإقالة العثرة؟
لأنك ستواجه أناساً، ولماذا كان الدعاة هم المنائر إلا لهذا السبب، أما لو كان كل من دعوته استجاب لما كان لك الفضل في أن يستجيب الناس، إنما فضلك الذي ترجو ثوابه عند الله أن تتحمل، ومهمتك هي البلاغ، والمشكلة والغلط أنك تظن أنك إذا دعوت فيجب أن يسمع هذا، ويفهم الناس ذلك فرسل الله عليهم الصلاة والسلام جميعاً ليس مهمتهم إلا البلاغ، ليس عليهم الهدى -بمعنى التوفيق والإلهام- أبداً، لا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم ولا غيره.
والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن النبي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، فليس مهمتك أن تقول لي: يا فلان! أصلح حالك، وإذا ما صلح تقول: أعوذ بالله هذا خبيث نعم أعوذ بالله، لكن مهمتك أن تبلغ، وحينما تبلغ لا يعني أنك تبلغ مرةً واحدة، بل تبلغ في كل حين، وليس مهمتك أن يهتدي الناس.
يا أخي! أولادك تربيهم عشرين سنة البيئة واحدة، والمدرسة واحدة، والأكل والشرب واحد، ويسكنون في بيت عشرين سنة، ومع ذلك هذا شمال وهذا جنوب، فيجب أن نفقه طبائع الناس، ونفقه دين الله عز وجل، وأن نستطلع مسالك الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإن مهمتنا البلاغ والدعوة والتوصيل.
والمهم من هذا كله أن نكون على طريق صحيح، أما النتائج والثمار فليست إلينا أبداً، ليس علينا أن يهتدي الناس، علينا أن نترسم طريقنا، وأن نعرف أننا على الحق، ولا يكون ذلك إلا بمراجعة أنفسنا، والتذاكر فيما بيننا، والرجوع إلى أولي العلم والفضل منا نرجع إليهم ونراجع أنفسنا فقط، أما أن نفترض أن الناس يهتدون بقولنا، أو أن الإنسان إذا طلع على منبر وقال: أيها الناس! اتقوا الله؛ فتراهم يخرجون يبكون ويتركون كل شيء، هذا لا يمكن، ولا أن تلاقي استهزاءً وسخرية، هذا لا بد أن تفترضه.