[ضرورة تصحيح ميثاق منظمة حقوق الإنسان]
وعلى هذا؛ فإنَّ ما صدر من إعلانٍ عالمي لميثاق حقوق الإنسان فيه إيجابياتٌ كثيرة، وقد مضى عليه أكثر من خمسين عاماً، لكنه ميثاقٌ لم يُطَّبق تطبيقاً عادلاً، ولم يمنع وقوع مظالم واعتداءات على شعوب كثيرة في مختلف أنحاء العالم، وإن المسلمين قد نالهم من ذلك الظلم النصيب الكبير.
ومما يستحق المراجعة في هذا الميثاق: أنه لم يُراعِ الخصوصيات الدينية والثقافية المختلفة، والأعراف الصحيحة للمجتمعات الإنسانية، مما يستدعي مراجعته، والعمل على إغنائه، وتطويره ليستطيب لتطلعات الشعوب، وينسجم مع معتقداتها الصحيحة وثوابت دينها؛ ليكون صالحاً للتطبيق مع التأكيد على مبادئ العدل والحرية والإخاء.
ومن الحقوق التي نأسى على فواتها، والتي لا تزال جماهير غفيرة من البشر محرومة منها، وهي حقوقٌ لا يستقيم الوجود الإنساني إلا بها: إنها الحقوق التي دعا إليها الأنبياء، والمصلحون، وجاهدوا من أجل تقريرها وتثبيتها، ألا ترى مئات الملايين من البشر يُكرهون على الكفر بربهم إكراهاً، ويُجبرون على الانتظام في تعليمٍ يزدري الديانات، وينال نيلاً أنكى من المقدسات، هناك في قارات الدنيا استعمارٌ كالح متعصب كما يسرق الأقوات فإنه يسرق العقائد، ويسلب الأفكار، ويسعى في فك الأمم عن إيمانها، وتضليلها عن أهدافها.
إن العالم يتطلع إلى تقرير هذه الحقوق التي يتطابق فيها العقل السليم مع الوحي الإلهي، ومن ثمَّ توكيدها واحترامها.
إن المطلوب من المنظمات والهيئات الدولية والأهلية التي ترفع شعارات إنسانية أن تراجع دعواتها ومواقفها؛ وبخاصة موقفها من الدين، وعلاقة الإنسان الفطرية بربه، وما يترتب على هذه العلاقة من استجابةٍ وطاعة، وخضوعٍ لله رب العالمين لا شريك له، كما يجب عليها أن ترصد النتائج الوخيمة على الإنسانية بسبب تمييع الحياة وذوبانها بعد أن تمَّ تجريدها في كثيرٍ من المجتمعات البشرية من التوجيه الديني.
يجب عليها أن تُحصي المآسي الإنسانية التي نتجت عن المروق والتفلت، وأن تراجع مواقفها من عمليات القتل الجماعي التي أوقعت مئات الألوف من الأرواح البشرية، وهاهي الدماء الإسلامية تُهراق أودية وأنهاراً في القوقاز بعد الدماء التي أريقت في البلقان، ولا تزال تراق في فلسطين المحتلة، وجنوب لبنان، وكشمير، وبورما، والفلبين، وبقاع أخرى من الدنيا.
ماذا عن مآسي التجارة بالنساء والأطفال؟
هل من حقوق الإنسان أن يكون اقتصاد الشر والجريمة والمخدرات نصف حجم الاقتصاد العالمي؟!
أليست إهانة بشرية مريعة أشكال الدعارة وأرقامها المتعاظمة؟
ماذا عن الأسرة وتماسكها ورعاية الأطفال في أحضانها؟
وماذا عن ملايين الأجنة التي يتم إجهاضها؟!
وماذا عن الإباحية باسم الحرية، حتى بلغ ما يقرب من ثلث المواليد من علاقات سفاح وزنا؟!
انحطت الأخلاق، وعُدم الحياء، حتى أباحوا اللواط والسحاق، وأصبح للوطية جمعيات وأحزاباً، وسنت من أجلهم القوانين، ووضعت التشريعات، مخالفة لسنن الله وسنن الفطرة، حتى أقروا شريعة زواج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:١٦٦].
والمسلمون -بحمد الله- محفوظون بدينهم من حرية العهر والسفاح ومن أن ينحدروا في هذا المجون المشين.
لقد عاش المسلمون آمنين وهم يُطبقون شريعة ربهم التي عرفوا عدالتها، وكفلت جميع حقوق أفرادها، رحمت المجتمع المسلم من التفلت والانهيار والتفكك، نظمت حياة الأسرة، وحضنت الطفل برعاية مناسبة، وسنت أحكاماً بحراسة الحقوق، وضمان الواجبات المترتبة عليها من أحكام العقوبات، والتعازيز، وإقامة الحدود، مما يبسط الأمن، ويُوفر الحياة الهانئة المحفوفة بالأخلاق الحميدة، وطهارة العلاقات الاجتماعية.