[الأسباب الحقيقية لضعف الأمم]
الحمد لله المستحق للحمد والثناء؛ أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله السعادة في الدارين، وأعوذ به من حال أهل الشقاء؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا ونبينا عبد الله ورسوله، أفضل الرسل وخاتم الأنبياء؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء؛ والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله -رحمكم الله- ما استطعتم، واستدركوا بالتوبة والأعمال الصالحة ما أضعتم؛ فربكم سبحانه خلقكم لتعبدوه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لتشكروه.
أيها المسلمون! يظن بعض الناس أن بعض الأمم وعجزها يرجع إلى ضعفها الصناعي أو عجزها العسكري أو نقصها الاقتصادي وأن الأمة الضعيفة لو ملكت هذا أو ذاك سادت ثم صادت!
وهذا عند النظر والتفكر فكر فيه عوج، ونظر فيه خلل، يعشى بصر صاحبه أن يبصر الشلل العضوي في أجهزة تلك الأمة الخلقية، وملكاتها النفسية، وانهزامها الداخلي في فكرها وعقلها وتبعيتها وفغرها أفواهها إعجاباً وبلاهة.
ولقد يروعك إن كنت مخلصاً ناصحاً ذا بصيرة نافذة، وأنت تتلمس العيوب والأخطاء وأسباب الضعف والتخلف، يروعك انتشار أخلاقيات بين الناس دون مبالاة، بل يصحبها إغماض شديد ممن ينصبون أنفسهم مفكرين في المجتمع، ومثقفين في أوساطه، إغماض منهم عن هذه الأخلاقيات المفضوحة، من إضاعة الأمانات، والتحلل من المسئوليات، وعدم إتقان العمل، والالتفاف حول المآرب الشخصية، ونسيان المبادئ الكبرى والحقوق العامة، وانتشار اللغو واللغط والكسل والإهمال، وتضييع الأوقات في غير المجدي والمفيد، واستقصاء المرء في طلب ما يرى أنه من حقوقه، واستهتاره وإهماله في أداء ما لزمه ووجب عليه، وتقاعسه عن الكمال كالعامة وهو من القادرين، ينضم إلى ذلك فقدان الرفق في القول والعمل، وشيوع القسوة في التعامل، والمبالغة في الخصام والعداء، والتحاكم إلى قشورٍ يطل من ورائها الرياء والمجاملات الكاذبة، ويدركك العجز وأنت تُعدد هذا الكم الهائل من النقائص والمثالب.
أيها الإخوة! إن كثيراً مما يتحاور فيه أبناء الأمم الضعيفة، من المنتسبين إلى الفكر والثقافة والرأي، والخوض في أمور المجتمع من النساء والرجال، كاتبين وكاتبات، ومتحدثين ومتحدثات إن كثيراً من حواراتهم لا يُساعد على تقييم خلق أو تهذيب سلوك، إن كثيراً من القراءات المتاحة للناس بلاءٌ تختنق الفضائل في ضجته، وتذوب الأخلاق في أزمته.
ماذا تقول لأناس يهشون لمنكر، ويودون لو نبت الجيل في حمأته؟
وماذا تقول لأناس تمتلئ سطورهم مقتاً للأصيل من أصولهم والمجيد من تراثهم؟! اتباع الهوى أرجح عندهم من اتباع العقل، وبريق التقدم الكاذب أقوى من سلطان الدين والشرائع.
ولهؤلاء قدرة عجيبة في إلباس أهوائهم وشهواتهم ثوب الحق والعمومية، وتحقيق مآربهم باسم الوطنية والمصلحة الاجتماعية.
أيها الإخوة! لا يقال هذا الكلام جزافاً، وإن من الأمثلة الماثلة والشواهد الحية على هذه الطروحات والتناولات في بعض المؤلفات والكتابات، وفي بعض البلدان الإسلامية حديثهم الذي لا يكل عن المرأة وشئونها، وحقها وحقوقها، والمصارعة من أجلها كما يقولون أو كما يصورون.
والموضوع -أيها الإخوة- يحتاج إلى تجلية، ويحتاج إلى النظر في بواعث الموضوع في كثير من أقطار الدنيا بزعم تحرير المرأة وإعادة حقوقها إليها.