أيها الإخوة: أيها الشباب! أيها الدعاة: الناس في حاجةٍ إلى كنفٍ رحيم، وبشاشةٍ سمحة بحاجة إلى ودٍ يسعهم، وحلمٍ لا يضيق بجهلهم بحاجةٍ إلى من يحمل همومهم، ولا يثقل عليهم بهمومه، يجدون في رحابه العطف والرضا، ومن أجل هذا تأتي الرحمة الربانية لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول القدوة:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}[آل عمران:١٥٩] فما غضب عليه الصلاة والسلام لنفسه قط، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه، وما نازعهم في شيء من أعراضهم، وسعهم حلمه وبره وعطفه.
وحينما يوهب العبد قلباً رحيماً، وطبعاً رقيقاً مع العلم والحكمة؛ فإنه لا يستكثر على الصغير والجاهل أن يصدر عنهم صدود عن الناصحين، والدنيا مليئة بمن لا يحبون الناصحين.
إن الداعي إلى الحق صاحب الخبرة والمراس لا يعجب من صدود الناس ونفرتهم، لكن رحمته بهم وشفقته عليهم لا تنفك تغريه بمعاودة الكرة تلو الكرة، كما يعاود الوالدان الحريصان على أولادهما في الإلحاح بالغذاء والدواء في حال الصحة والمرض، بل لقد جاء حديثٌ أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{إنما أنا لكم مثل الوالد لولده} هل رأيتم والداً يمل من نصح ولده؟ حتى ولو نصحته ثم نصحته تجد الوالد دائماً يكرر، هذا الذي ينبغي أن تفعلوه مع الناس، ولا تضيق صدوركم أبداً، وهل رأيت أعظم شفقة من الوالد على ولده؟ وكم قابل محمدٌ صلى الله عليه وسلم إعراض قومه بابتهاله النبوي:{اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.