للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الإخلاص]

ومما ينبغي أن يتصف به طالب العلم: الإخلاص: فمهم جداً أن يقف طالب العلم وطالب الفقه عند الإخلاص، ولا شك أنكم سمعتم بهذا كثيراً، فالحديث عن الإخلاص كثير جداً، ولا يكاد واعظ يعظ إلا ويذكر الإخلاص، سواء ما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ما يتعلق بطلب العلم، أو في أي عمل تأتيه، بل حتى في عملك وفي وظيفتك؛ فهو المحك وعليه المدار، ولا نعيد ما قاله أهل العلم، لكن نشير إلى بعض ذلك إشارة ونحن نتكلم عن العلم.

لعلكم تلاحظون أن كثيراً من أهل العلم يحاول أن يبدأ مؤلفه بحديث: (إنما الأعمال بالنيات)؛ لأنه يستشعر أن هذه القضية ينبغي أن تكون هي الشغل الشاغل لطالب العلم؛ فعليه أن يهتم بفحص قلبه، وملاحظته، والعناية به، ورعايته، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يجادل به العلماء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار}؟!

وأول من تسعر بهم النار -كما تعلمون- عالم لم يعمل بعلمه؛ تعلم العلم لغير الله، وفي حديث آخر: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة}.

وحري أن نقف عند هذا دائماً، ونحاسب عليه أنفسنا، لكن هناك دائماً سؤال يثور على طلبة العلم، وبخاصة حينما يبتدئون، لأن طالب العلم وهو ناشئ صغير، لم يتضلع بالعلم، ولم يفقه ما عليه السلف والعلماء السابقون، حينما يبدأ غالباً يجد في نفسه منازعة.

فلا ينبغي أن تصرفه هذه المنازعة عن السير في طلب العلم، ما دام الله عز وجل قد فتح عليه، وأحس بانتفاع واندفاع، وأحس برغبة، فعليه أن يستمر؛ لأن العلماء رحمهم الله يقولون: طلبنا العلم للدنيا فأبى إلا أن يكون لله.

فلا ينبغي أن يكون هذا الهاجس صارفاً لك عن طلب العلم، لكن ينبغي أن يكون حافزاً لك؛ لا شك أنه يجب عليك أن تراجع قلبك دائماً، وتحاول أن تخلص نيتك؛ لكن إذا وفقك الله سبحانه وتعالى وازددت من العلم، وحرصت على العمل ونوافل العبادات، فسوف تخلص نيتك بإذن الله، وبخاصة إذا وفقك الله، وقرأت كثيراً من تراجم العلماء وسيرهم، وسمعت كلامهم وحضهم، فإن هذا سوف ينير قلبك ويشفيه بإذن الله.

وقد ورد في ذم الرياء بعض الزواجر كقول حماد بن سلمة حيث يقول: من طلب الحديث لغير الله مكر به.

فينبغي أن يجد طالب العلم في تطهير قلبه من كل غش ودنس.

ويقول سهل: حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكرهه الله عز وجل.

أي: إذا استمر.

ويقول سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد من نيتي.

فيحتاج القلب إلى علاج، ولا ينبغي أن يكون ذلك سبيلاً للتقاعس، ينبغي أن تكون دافعاً لا داعياً للتقاعس، وأبو يوسف رحمه الله يقول: يا قوم! أريدوا بعلمكم وجه الله، فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح.

فينبغي أن يكون هذا بين العينين، لأن العلم عند أهل الإسلام عبادة وقربى إلى الله عز وجل، فإن خلصت النية قُبل وزكا ونما، وإن قصد به غير وجه الله حبط وضاع وخسرت الصفقة.