أيها الإخوة في الله: إن ميدان الصلح واسع عريض في الأفراد والجماعات، والأزواج والزوجات، والكفار والمسلمين، والفئات الباغية والعادلة في الأموال والدماء، والنزاع والخصومات، ومن أجل ذلك فقد عظم ثوابه وكبر أجره، فهو أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، فلقد قال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً:{ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين}.
ولقد باشر عليه الصلاة والسلام الصلح بنفسه حين تنازع أهل قبا، فندب أصحابه وقال:{اذهبوا بنا نصلح بينهم}، وخرج عليه الصلاة والسلام للإصلاح بين أناس من بني عوف حتى تأخر عن صلاة الجماعة.
والإمام الأوزاعي رحمه الله يقول: ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين.
إذا كان الأمر كذلك -أيها الإخوة- فمن ذا الذي لا يقبل الصلح، ولا يسعى فيه، ليسوا إلا أناساً قد قست قلوبهم، وفسدت بواطنهم، وخبثت نياتهم، حتى كأنهم لا يحبون إلا الشر، ولا يسعون إلا في الفساد، ولا يجنحون إلا إلى الظلم، والأشد والأنكى أن ترى فئات من الناس ساءت أخلاقها، وغلت أكبادها، لا يكتفون بالسكوت والسكون، بل في أجوائهم يستفحل الخصام، ويكثر الكلام، وما أشبه هؤلاء بأعداء الإسلام وأهل النفاق! إنهم يُلهبون نار العداوة، ويوقدون سعير البغضاء، كلما خبت نار الفتن أوقدوها، ولا غرو بعد ذلك أن تضيع الحقوق، وتهدر الحرمات، ويرق الدين، وتنزع البركات.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، اتقوه وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.