[الاستعداد المطلوب والقوة الممدوحة]
الحمد لله الإله الحق، لا تحصى دلائل وحدانيته ولا تعد، أحمده سبحانه وأشكره لا ينتهي كرمه ولا يحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزه عن الصاحبة والولد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أكرم رسول وأشرف عبد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان وسلك مسالك الرشد.
أما بعد:
فإن القوة ممتدحة حين تكون بطرق الخير، ووجوه المنافع للنفس والأهل والناس أجمعين، قوة تحق الحق وتبطل الباطل، تسير في المسار الصحيح والغايات الشريفة، أما حينما توظف القوة في سبيل الشر والأنانية، والمصالح الضيقة، وإيذاء الناس، وبسط النفوذ المستكبر، تكون وبالاً على البشرية، بل إنها في المآل وبال حتى على أصحابها، ولقد قالت قوم عاد الأولى: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:١٥] وقال لهم نبيهم هود عليه السلام محذراً ومنذراً: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:١٣٠ - ١٣١].
وفي مراجعة للقوة في العصور الراهنة، تلك القوة المتسلطة التي صحبت عهود الاستعمار، إنها قوى شر تسلطت على أمم ضعيفة، جاسوا خلال الديار يفتشون عن الثروات، ويقطعون طرق التجارات، ويستأثرون بالمنافع في قلوب ملئت بالجشع، ونفوس مفتوحة بالشره، تتقدمها معدات مجنزرة، وتظللها طائرات مزمجرة في عساكر مدربة، وإرساليات ماكرة، يقطعون على أهل البلاد أرزاقهم، ويكدرون على الوادعين أمنهم، لم تكن تلك القوى في سبيل الله، ولم تكن لإعلاء كلمة الله، بل كانت للشهوات والمصالح الضيقة، ولقد علم من استقرأ التاريخ أن الحروب المعاصرة أشد حروب البشر ضراوة وأقساها معاناة.
ولا تزال كثير من الدول الكبيرة منها والصغيرة تنفق على الاستعداد للحروب فوق ما تنفق على المصالح الأخرى الضرورية للدولة وللأمة، بل إن فيها من يرهق شعوبه بالضرائب لأجلها، ولولا سوء النية وفساد الطوية في بعض النفوس، وقلة الثقة المتبادلة بين كثير من الدول لأمكن الاتفاق سراً وجهراً على ما ينادي به الفضلاء، ويقترحه العقلاء؛ من تقليل الاستعداد لهذه الحروب المدمرة، والتي كثرت أسبابها، واتسعت اختراعاتها، وتنوعت تقنياتها، فصارت خطراً على غير المقاتلين تهلك الحرث والنسل، بل تقضي على كل آثار الحضارة والعمران، ولكن مع الأسف! إذا ساد قانون الغاب فلا يسمع لضعيف قول، ولا يعترف له بحق، ولو أقام كل البراهين، وأدلى بكل الصحيح من الحجج، وحينما يكون الفصل لشريعة الاستبداد فالقول قول القوي، والنافذ فعل الظالم، يأخذ وينهب وليس معنياً بحجة، ولا سائلاً عن برهان.
ألا فاتقوا الله -أيها المسلمون- ما استطعتم، وأعدوا من قوة الخير والحق ما استطعتم، ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة والملحمة، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال في محكم تنزيله وهو الصادق في قيله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخلق الأكمل، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحبه وترضاه، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، وألبسه لباس الصحة والعافية، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك، وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين، وفي كشمير، وفي الشيشان، وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم إن هؤلاء اليهود المحتلين قد طغوا وبغوا، وآذوا وأفسدوا، وقتلوا ودمروا، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم وأنزل نصرك وتأييدك وعونك لإخواننا في فلسطين، اللهم سدد سهامهم وآراءهم، واجمع كلمتهم يا رب العالمين!
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.