الحمد لله تفرد بكل كمال، تفضل على عباده بجزيل النوال، بيده الخير؛ ومنه الخير فله الحمد على كل حالٍ، وفي كل حال، في الحال وفي المآل، أحمده سبحانه على ما منح من النعماء، وأشكره على واسع العطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تقدس في الذات والصفات والأسماء، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله سيد المرسلين، وخاتم الأنبياء، وإمام الحنفاء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأوفياء، وأصحابه النجباء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء.
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، استيقظوا بقوارع العبر، وتفكروا في حوادث الغير، ففي تقلبات الدهر معتبر، وفي طوارق الجديدين مزدجر، وتدبروا مواعظ السنة والكتاب فإنهن صوادق الخبر، فتزودوا بزاد التقوى، وخذوا أهبة التحول وانتبهوا من الغفلة فرحم الله امرأً أحيا سنة مأثورة، وقدم لنفسه أعمالاً صالحةً مبرورة، وراقب مولاه فمولاه على كل شيءٍ شهيد، وحاسب نفسه حذراً من العذاب الشديد.
أيها المسلمون: الحياة السعيدة والعيش الرغيد قوامها ظلال الأمن الوارفة بعد الإيمان بالله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:٨٢] بالأمن على الأنفس، والأمن في الأوطان تتفتح دروب الإنتاج، وتتفتق مهارات الإبداع، ويتحقق بإذن الله النماء.
الأمن هو الركيزة التي يقوم عليها استقرار المجتمعات ورخاء الشعوب:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش:٣ - ٤].
وفي نظرة فاحصة يدرك المتأمل أن الأمم تتعرض في حياتها لمتاعب ومشقات بعضها هينٌ يسير وبعضها ثقيلٌ عسير، ولكن الكيان يتزلزل، والرشاد يتخلخل، حين تسترخص الدماء، وتزهق الأرواح.