للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خصوصيات المجتمع الإسلامي في المنطلقات والمفاهيم]

أيها المسلمون: أيها الناس! وتنبع الخصوصية في المجتمعات الإسلامية من اختلافها عن غيرها من المجتمعات في المنطلقات والمفاهيم، وفي التكوين الفكري والثقافي المميز لأهل الإسلام، فالإسلام هو الذي صاغ الشخصية المسلمة والإنسان المسلم على امتداد القرون، ومستند ذلك: الوحي الرباني كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بينما مع الأسف! لا يمثل الوحي الإلهي جانباً ذا بال في الفكر المعاصر، بل الذي يجري عندهم هو إبعاد الدين عن الحياة، فقامت أنظمتهم على فصل الدين عن الحياة والحكم للدولة، وفي مقابل ذلك فإن المسلم يعتبر الدين والمحافظة عليه، والالتزام به، هو أول الحقوق وأولاها وأهمها، فالدين أول الضروريات، بل هو منطلق الحقوق كلها، ومنه تنبثق ضوابط الأخلاق وقيم السلوك الاجتماعي عند المسلمين، كما أن أصول الشريعة ونصوصها هي النظام التشريعي للمجتمع المسلم في علاقاته وحقوقه كلها.

أيها الناس: وإن شئتم قبسات من قبسات ديننا فتأملوا قصة تكريم الإنسان في قرآننا، عندما أذن الله -سبحانه وتعالى- أن يخلقه ويستخلفه في هذه الأرض.

إن كرامة الجنس الإنساني في ديننا ثابتة مقررة، لا تسقط ولا تنتقص بسبب أخطاء إنسان، أو تقصيره وذنوبه؛ فلقد سأل الملائكة الكرام ربهم عز شأنه: أيستحق هذا المخلوق كرامة الوجود والتفضيل والتكريم مع ما يشوب تاريخه الطويل من آثام؟ اقرءوا قول الله عزَّ وجل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠] فكان الجواب الرباني: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٣٠]

فالجنس الإنساني جديرٌ بالحياة والتكريم، وإن زيغ أفرادٍ منه أو جماعات لا يسلب أبناء آدم المكانة التي بوأهم الله إياها: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:٧٠]

وهكذا يرسم ديننا قافلة البشرية وقد بدأت تشق طريقها في الحياة، وقد استخلفها الله في أرضه، لتعمرها وتصلح فيها وتبني: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود:٦١].

ومن أجل هذا! فإن أهل الإسلام يُقررون -وبكل ثقة- أن الإسلام هو أول من قرَّر مبادئ حقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق، كما يُقررون كذلك أنهم هم الذين صدروها للناس، ثم هاهو يعاد تصديرها على أنها كشفٌ إنساني كأننا ما عرفناها يوماً، ولا عشنا بها دهراً، وإنَّ مثلنا ومثلهم كماءِ المطر ينزل من السماء فيمكث في الأرض ليظهر بعد حين نبعاً جيَّاشاً أو عيناً جارية، كَمُنْتَ آثارنا ثم انبجست بهذا الري العظيم.

كما يُؤكد أهل الإسلام أن الضمان الحقيقي لحقوق الإنسان وحسن تطبيقها هو الحكم بشريعة الله على عباد الله، والتزام الهيئات الإسلامية والدول والأفراد بالإسلام، وهذا ليس انغلاقاً ولا تقوقعاً على الذات، بل انفتاحٌ عن الحضارة الإنسانية في تراثها النافع، وتوجهاتها الراشدة.