مسلك آخر: النصيحة لا الفضيحة: وهي ترتبط بالمسلك السابق، والمقصود هنا الإشارة إلى آداب النصيحة، باعتبارها مسلكاً من المسالك البارزة في الدعوة، وبخاصة إذا ما حاولنا البعد بالنصيحة عن أن تكون فضيحة، يوضح ذلك الحافظ ابن القيم رحمه الله حيث يقول:"والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه؛ والغيرة له وعليه؛ فهو إحسان محض ".
معاشر الدعاة! إننا نحسن وإن هذا إحسان منا للناس، فلماذا نمنُّ به بأن نؤديه في قالب مؤذي؟
ثم قال ابن القيم:" فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة مراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه " هذا كله كلام ابن القيم رحمه الله.
فهذه دعوة إصلاح يجب أن يتمحض فيها الإخلاص لله، مع المحافظة على مشاعر المنصوح على نحو ما سبق في المسالك السابقة؛ لئلا ينقلب النصح مخاصمة وجدالاً وشراً ونزاعاً.
ويؤكد جانب الدقة في هذا الأمر: أن ذكر الإنسان بما يكره هو على أصل التحريم، وقد قيل لبعض السلف: أتحب أن يخبرك أحدٌ بعيوبك؟ فقال: إن كان يريد أن يوبخني فلا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:{لا تذكروا مساوئ أصحابي حتى أخرج إليهم وأنا سليم الصدر} فالإنسان بشر، ولا يكاد يفرق بين النصيحة والتعيير سوى النية، والباعث، والحرص على الستر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم السيد أن يثرب أمته، أي: يلومها على ذنبها، بل يقيم الحد ولا يثرب، لا يكثر الشكاية واللوم، كأن يذكرها بذنبها وخطيئتها، وهذا حالياً يتأسى به الآباء حينما يربون أبناءهم؛ فقال عليه الصلاة والسلام:{إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب} متفق عليه.
ويقول فضيل: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير.
وكانوا يقولون: من أمر أخاه على رءوس الملأ فقد عيره.
ذلك أن الناصح الصادق ليس له غرضٌ في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة وإخراج أخيه من غوائل تلك المفسدة، وشتان بين من قصده النصيحة ومن قصده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى، وكما قالت أم الدرداء:[[من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه]].