الحمد لله الذي أنزل كتابه مفصل الأحكام، ومحكم الآيات، أحمده سبحانه عمَّت نعماؤه وتوالت منه المنح والمكرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تقَّدس في الذات وفي الأسماء والصفات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، ختمت بنبوته النبوات، وكملت برسالته الرسالات، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته أفضل الصلوات، وأتم التسليمات، وأزكى البركات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن فاتحة الكتاب شافية بإذن الله للداء، كافية للهم، واقية من السوء، رقية لكل مسلم، اشتملت على شفاء القلوب والأبدان.
أما القلوب فمدار أمراضها وأسقامها على أمرين:
الأول: فساد العلم.
الثاني: فساد القصد.
ويترتب على ذلك داءان قاتلان:
داء الضلال وداء الغضب.
فداء الضلال نتيجة لفساد العلم، وداء الغضب نتيجة لفساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها، وهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال، وتحقيق (إياك نعبد وإياك نستعين) علماً وعملاً، يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد.
وأما تضمنها شفاء الأبدان فهذا خبر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره:{أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك القوم فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً، فجعلوا لهم قطيعاً من الشاة، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاة، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحك وقال: وما أدراك أنها رقيه؟! خذوها واضربوا لي بسهم} وفي رواية: {فجعل الصحابي يقرأ على الملدوغ بفاتحة الكتاب، فقام اللديغ كأن لم يكن به قلبة}.