يقول الإمام القرافي في الاستمساك بالعرف والنظر فيه، وضرورة أن يفقهه المجتهد، والناظر في الأحكام، والذاهب إلى الاستنباط، يقول: إن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت، وتبطل معها إذا بطلت، وعلى هذا القانون -والكلام للقرافي - تراعى الفتاوى على طول الأيام؛ فما تجدد في العرف اعتبره، وما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين.
ويقرر السيوطي في أشباهه أن العادة والعرف مرجوع إليهما في الفقه في مسائل كثيرة، والحافظ ابن القيم يقول: ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا المفتي الجاهل -بل عبارة ابن القيم أشد من هذا- يضر أديان الناس وأبدانهم، فالله المستعان! انتهى كلام الحافظ رحمه الله.
وابن عابدين الحنفي رحمه الله يزيد الموضوع جلاءً يقول: كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو لفساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم عنه المشقة والضرر بالناس، ولخالف ذلك قوانين الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد.
ثم قال: ولهذا نرى مشايخ المذهبية -يعني الحنفية- خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة، بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا أخذاً من قواعد المتن.
إذاً: هذا بعض كلام أهل العلم بتأييد الأخذ بالعرف والعادات وانبناء بعض الأحكام عليها.