ولئن كان العمل عاملاً من عوامل السعادة كبيراً؛ فإن العلم قريبه، ويقصد بالعلم الفقه في شئون الناس، وأمن الحياة علمٌ واستنارة يرتفع بها صاحبها عن مصاف الجهل والجهلاء، فالجهال تصعب قيادتهم، ويشق توجيههم، وتقل راحتهم، وتصعب إراحتهم:{سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}[القصص:٥٥].
وتكون الشخصية المتعلمة إذا كانت متفتحة تدرك الحق والنافع، وتفهم المطلوب وتحسن التجاوب، وإن ردود الفعل غير المهذبة من الجهال هي العلة في كثيرٍ من أسباب الشقاء، وعدم انتظام طرق المعاش.
ثم -أيها الإخوة- لا خير في علم إذا لم يصحبه خلقٌ كريم، وأدبٌ سامٍ، يتربى عليه أفراد الأمة؛ من الصبر والعزم، والجد والإقدام، والأمانة والصدق، والحلم وسماحة النفس، ورقة العاطفة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتربية البيت والمدرسة مقدمة بقالب الدين والشرع المطهر، فيتولد الحياء والعفاف، وسعة الأفق وانشراح الصدر:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ}[الشرح:١ - ٣].
تربية تأخذ بالناشئة إلى ربهم؛ فيلجئون إلى ذكره وشكره، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨]{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:٣٦]