ولهذا أنتقل بعده إلى قضية فكرة الصراع بين الرجل والمرأة.
إن الذي أدى إليه المفهوم المغلوط لتحرير المرأة هو أنهم صوروا أن الرجل متسلط، وأنه مستبد، نعم هذا قد يكون موجوداً حقيقة إما في ممارسة خاطئة، وإما عند أمم غير إسلامية، لكنهم استطاعوا أن يدخلوا -كما قلت- من هذا الجزء المظلم إلى النفخ في قضية الصراع بين الرجل والمرأة، فهذه الفكرة ترى العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة صراع لا علاقة مودة ورحمة، والقوامة الشرعية استبداد وظلم وتسلط، لا تنظيم ورعاية وتوزيع للمسئوليات.
واسمع بعض عباراتهم الاستفزازية إن صح التعبير وفرقوا بين ما يقوله أحدهم وهو كاتب مسلم عربي، وبين ما سمعتموه من آيات كتاب الله {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[النساء:١] قال: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف:١٨٩] وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً}[الروم:٢١] هل تأملتم الفرق بين قوله: لتسكنوا إليها، ولم يقل: لتسكنوا عندها، ولا: لتسكنوا معها، فسكن الشيء إلى الشيء بمعنى: اطمأن وارتاح وأحس فعلاً بالأمان الداخلي؛ هذه هي العلاقة التي يبنيها الإسلام بين الزوجين في عش الزوجية، ناهيك أيضاً بالعلاقة مع الأم والعلاقة مع الأخت وصلة الأرحام وكلها علاقات مودة وبر وإحسان، والعاق لوالديه ومدمن الخمر لا يدخلان الجنة، لكن هؤلاء أرادوا أن يجعلوا القضية قضية صراع، يقول هذا الكاتب: فالمرأة القوية بفكرها، أو القوية بخبرتها وبمعرفتها، تجد في تلك القوة منافذ متعددة لدفع الأذى عنها، فلا تحتاج كثيراً إلى ذلك السبيل الذي تطرقه العاجزات، فالمرأة التي ترى نفسها نداً للرجل لا تبكي عندما تصطدم به، فهي تملك من تنوع الأسلحة ما تستطيع أن تواجه به تنوع أسلحته، إذاً القضية قضية أسلحة وليست مثلما يقول: أسلحة نووية وجرثومية بين الرجل والمرأة، لكن المرأة التي لا تجد لنفسها مكاناً في ظل الرجل أو خلفه تجعل من نفسها امرأة مقيدة اليدين والرجلين مكممة الفم.
بالله عليكم إذا كنا نربي نساءنا وبناتنا على أن الحياة صراع، وأن الحقوق نهب، فكيف ستكون الحياة؟
فهو اختلاق صراع مرير بين المرأة والرجل تمخض عنه محاولات دءوبة لتكوين جمعيات نسائية لقيادة هذا الصراع، يجسد ذلك مع الأسف إلحاح في بعض وسائل الإعلام على ضرورة أن تنتزع المرأة حقوقها ولا تنتظر من يهبها تلك الحقوق، بينما هم يؤكدون أن العلاقة مودة ورحمة وأنها حقوق وواجبات، ومسئوليات كلٌ عليه مسئولياته، وكلٌ له حقوق بقدر ما عليه من مسئوليات.