عباد الله: وإن من المعلوم البين أن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف ليس بالهين، ووظيفة ليست باليسيرة، فهو يصطدم بشهوات الناس ورغباتهم، ويقطع بعض أهوائهم وملاذهم، ويكبت غرور بعض المتكبرين، ويحد من تسلط بعض المتسلطين، ففي الناس الجبار الغاشم، وفيهم الظالم المتجاوز، والمنحرف الذي يكره الاستقامة، وفيهم أشباه البهائم عبيد الشهوات، بل فيهم من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف.
ومن ثم تأتي هذه الفئة الطيبة المباركة -وكل من يقوم بمثل ما تقوم به- فتقوم بمحاربة الانحراف والمدافعة من أجل فُشُوِّ المعروف، فتتلقى الأذى والعنت والتطاول والاتهامات؛ لأنها تسير في مضادة أهل الشهوات والأهواء الذين لا يهتمون إلا بإشباع رغباتهم، ولا يتجاوز ضررهم مواقع أقدامهم.
إن هذه الطائفة تلقى ما تلقى لأنها تسير في ركاب الأنبياء وفي دروب المرسلين، تقوِّم المعوج، وتنصر المظلوم، وتحارب الأهواء، وكتاب الله قرن محاربة هذه الفئة بالكفر بآيات الله وبتكذيب المرسلين، يقول الله عزَّ وجلَّ:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران:٢١].
ومن أجل هذا فقد جعل هؤلاء الأخيار من الصبر حصناً حصيناً، ومن الاحتمال والتحمل خلاً أميناً، يوطنون أنفسهم على تجرع كئوس المرارة، وتجنب خلائق المداهنات، وتحمل أذى الخلق في جنب الله، معتمدين على مولاهم، لا يحزنون على من خذلهم، ولا يأسفون على من قلاهم، قد قطعوا أطماعهم من الخلق، ووثقوا بكفالة الإله الحق، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:٣].
يتحرون الإخلاص والبعد عن الهوى أو قصد التشكي أو الانتصار للنفس، في نزاهة نفسية وصفاء قلبي، بعيداً عن الضغائن والأحقاد، بأسلوب الأدب والمحبة والشفقة، يخاطبون العقل، والغيرة الدينية، والحمية، والشهامة، متسلحين بسلاح العلم، والحكمة، والعدل، والإنصاف، والرفق، والحلم، والصبر، يعلمون أن للنفوس إقبالاً وإدباراً، فيتعاهدونها حين إقبالها وانبساطها بالكلمات الطيبات، والمُهاداة والملاطفات، حتى تصل إلى القلوب بإذن الله، متمثلين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.