لعلي أنتقل إلى الفقرة الأخيرة وهي مقالة أو كلمة أعجبتني كثيراً لـ مصطفى صبري؛ آخر مفتي في تركيا، وقد عاصر هذه القضايا، وعاصر انسلاخ تركيا وعلمنتها، ولاقى ما لاقى أيضاً حتى في مثل هذا الباب، وأعرض قضية المرأة، وله في هذا كلام، لكن تكلم في هذا كلاماً جيداً، ومقارنة بين هؤلاء الذين يريدون فعلاً أو يزعمون أنهم ينصرون المرأة، وحاول أن يقارن بين المرأة في الشرق والمرأة في الغرب بكلام لا شك إنه يحتاج إلى وقفة وتأمل.
يقول: من المقطوع به أن مسألة المرأة كانت هي الفارق المتميز بين الشرق والغرب، أو بين الإسلام والغرب، يقول: فما كان يخطر بالبال -هو يعيش معاناة بلا شك، وتوفي عام (١٣٧٢هـ) - قال: فما كان يخطر بالبال أن يجد الغرب في امرأته السافرة من يقلدها في الشرق المسلم المعروف والمشهور بتدينه وغيرته على نسائه مهما قلد في غيرها، قد تقلد في كذا، لكن تقلدها في أن تنخلع امرأتك من حجابها وحشمتها وعفافها هذا ما كان يخطر بالبال.
لأنه كان في تركيا وكان يرى مثل هذا، قال: لكن مع الأسف أن غيرته على نسائه زالت مع غيرته على إسلامه.
وهذه والله قاعدة يعني: إذا قلت الغيرة على النساء فهي قلة غيرة على الدين، وهذا أمر جلي، ومن نظر إلى تعامل الغرب مع المرأة، وهذه التي أريد أن نتوقف عندها، ومن نظر إلى تعامل الغرب مع المرأة يحسب أنهم يجلون المرأة، ويقدرونها ويقصدون إلى رفعة مكانتها، ومن هذا الظن الخاطئ اعتبروا المرأة الشرقية مغموطة الحق، منكودة الحظ، محقورة مظلومة، ولكن الحقيقة كل الحقيقة: أن الغرب ومقلديهم من المسلمين إنما يعبدون هوى أنفسهم، ولهذا لا شك أن الذي يطالب بحقوق المرأة رجال، ثم المرأة تأتي في الصف الثاني وهذا تأملوه تجدوه حقيقة، ولكن الحقيقة كل الحقيقة أن الغرب ومقلديهم المسلمين إنما يعبدون هوى أنفسهم، فما مظاهر إجلال الرجل المعاصر للمرأة وتقديمه إياها على نفسه -يقدمونها بالدخول والخروج- إلا نوعاً من المخادعة وجعلها أداة للهو واللعب، وما إخراجها من بيت الكرامة والعفة إلا لتسام الخسف في سوق الابتذال، حتى إن اشتراكها في أعمال الرجل الذي قد عدوه انتصاراً لها وفوزاً بحقوقها وتحقيقاً لمساواتها المدعاة بالرجل ما هو إلا احتمالها لأعباء الحياة القاسية التي لم يقم بها رجال الشرق بعد حتى حق القيام على النساء، وهذا صحيح، فلو وقفنا وقفة هؤلاء النهضويون ماذا قدموا للأمة! هل أصبحنا دولاً صناعية؟ فقط: مجرد لباس، ومجرد خلاعة، ومسارح، وفنون، هذا الذي أخذ به كثير من دول العالم الثالث وأغلبها الدول الإسلامية، لا نهضة في أنفسنا، ولا نهضة في الاقتصاد، ولا نهضة في استقرار حقيقي، ولهذا يقول هو: وما فعله الإنسان إلا احتمال لأعباء الحياة القاسية التي لم يقم بها رجال الشرق بعد حق القيام فضلاً عن نسائه، مع أن تحملها أي: المرأة، لتلك الأعباء هو مزاحمة للرجل لا مساعدة له فيها.