نأتي إلى صور جديدة من الخلل في توحيد العبادة -العقيدة- وهي في هذا العصر المادي، فإن فئات من الذين يزعمون الانتساب إلى الإسلام -وهم محسوبون على المثقفين- ومن لا يرضون بحكم الله يجدون في صدورهم حرج؛ حينما يكون الحديث عن إقامة حدود الله، فترتعد فرائصهم وتشمئز قلوبهم، فيقومون ويقعدون ويلوون ويزبدون ولهم إخوان يمدونهم في الغي، ومع الأسف أنها ظهرت صور من صور الردة، هذه -يا إخواني- لاشك أنها من الأمور التي تخيف، فالإسلام عندهم ظلم المرأة وهضم حقوقها، والحدود عندهم قسوة وبشاعة وتخلف، وحكم الردة تهديد لحرية الإبداع والفكر، وأحكام الشرع عندهم عودة إلى أصول الظلام، وتعصباً وانغلاقاً، لقد أدخلوها في الإرهاب، حتى المتمسك بالإسلام قالوا: هؤلاء إرهابيون، والله عز وجل يقول:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء:٦٥] صور من صور التوحيد، ولهذا يقول يوسف عليه السلام فيما أخبر الله عز وجل عنه:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[يوسف:٣٩ - ٤٠] فالقضية جلية لا تحمل إلا برهان.
فإذاً الخاتمة التي نختم بها: إن التوحيد صعب على الأذلاء من هؤلاء المعارضين، وهؤلاء الذين يزعمون الثقافة ويزعمون أنهم يريدون الخير لأممهم مع أنهم هم أساس الداء وهم بهم يعظم البلاء، فالتوحيد صعب على الأذلاء، ومن فيهم الخسة والذلة والتبعية، ولهذا يقول:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:٥] التوحيد صعب على من استمرءوا الفساد وولغوا في الأوحال، والله عز وجل يقول:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[الزمر:٤٥].
إنهم لا يعرفون التوحيد ولا يعرفون صفاء دينهم، مستعبدون في تفكيرهم وكأنهم قالوا للذين كفروا وكرهوا ما نزل الله: سنطيعكم في بعض الأمر، بل في كل الأمر، إنهم حين لم يعرفوا التوحيد ولم يحققوه أصبحوا وكأنهم فئة منفصلة عن أمة الإسلام بفكرها ورؤيتها، وغايتها مشدودة من خارجها من الشرق والغرب في السياسة والاقتصاد والأدب، وقد تجلى ذلك في تجاهله بل في تمرده على تاريخ أمته وأصالتها وتراثها، ونعمة التوحيد أيها الإخوة يخرج بها العبد من ظلمة الشرك وجهالاته إلى نور الإيمان بالله وتوحيده.
أسأل الله سبحانه وتعالى ألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا، وأن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يرزقنا الاستمساك بتوحيد ربنا، إنه سميع مجيب، وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه وسلم.