[القوة والإعداد المعنوي]
أيها المسلمون! ولعل من المناسب الوقوف عند صورة من صور القوة، تلكم هي قوة الروح المعنوية.
إن من يقلب النظر في تاريخ الأمم التي تتمتع بالعز والسيادة، يجدها لم تبلغ ما بلغت إلا بما تربت عليه من قوة الروح قبل البناء العسكري، فبقوة الروح، وارتفاع المعنويات -بإذن الله- تسلم من خطر يمتد إليها من الخارج، ويستتب لها الأمن من الداخل، وتكون ذات شوكة ومهابة.
ولا عجب أن يولي القرآن الكريم ذلك ما يستحق من عناية، فتنزلت الآيات التي تربي النفوس على خلق البطولة، وتحفز الدواعي لإعداد الوسائل، واتباع النظم، فالظفر بعيد عن الجبناء، وبعيد عن المهازيل، ولقد توجهت الآية الكريمة إلى النفوس تنقيها من رذيلة الجبن والإحجام، وتنذرها من سوء عاقبة الجبناء، اقرءوا وتدبروا قول الله عز وجل: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً} [التوبة:٨].
إن الآية صريحة في أن الجبان يبتلى بذي قوة، لا يعرف للعهد رحمة، ولا يقيم للعدل وزناً، ولا يعرف للحق طريقاً، ولقد سجل الشجعان وصدقت الحكماء: أن الموت في مواطن البطولة أشرف من حياة يكسوها الذل، ويغمرها الهوان، والحر يلاقي المنايا، ولا يلاقي الهوان.
ومن العجز أن يموت الفتى جباناً.
وآية أخرى في كتاب الله تفضح فئات من الجبناء الخوارين، أنكروا رجولتهم، ودفنوا كرامتهم، وقعدوا مع فئات لم تخلق للضرب ولا للطعان: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة:٨٧] ولا يتوارى عن هواتف الشرف ودواعي البطولة إلا من كان حظه من الرجولة ضئيلاً، ومن الكرامة منقوصاً.
أيها المسلمون: إن بث القوة الروحية ورفع المعنويات يكون بتربية النشء على خلق الشجاعة، وصرامة العزم، والاستهانة بالموت، وإخواننا وأولادنا في فلسطين المحتلة قد ضربوا من ذلك بسهم وافر أعلى الله قدرهم، ورحم شهداءهم، وشفى مرضاهم، وعوضهم ما فقدوا، وحقق لهم النصر على عدونا وعدوهم.
إن الأمة التي تأبى الضيم بحق هي الأمة التي تلد أبطالاً وتبذل كل مجهود في إعداد وسائل الدفاع، لا يقعد بها بخل، ولا يلهيها ترف، إن تفاضل الأمم في التمتع بالحرية، والسلامة من أرجاس الضيم لا يتبين إلا بقدر ما فيها من شهامة الرجال، وما تدخره من أدوات الرمي والطعان، فإذا ما اجتمع للأمة رأي وسيف وعزة؛ تجافت عنها المظالم.
إن العزة وإباء الضيم خلق عظيم، ومركب عزيز، أول ما يقع في نفوس الرجال الموكول إليهم تدبير شئون الأمة، وتنفيذ آمالها، وتحقيق طموحاتها، ورسم خططها.
إن إباء الضيم يدفعها إلى أن تذود عن حياضها وتدافع عن حماها، ولو كان خصمها أعز نفراً، وأقوى جنداً، وأكثر نفيراً، بل تقف موقف الرجولة والاحتفاظ بالكرامة، ولو غلب على ظنها أنها ستغلب على أمرها، تفعل هذا إيثاراً لحياة العزة على حياة المهانة، وتجافياً عن خزي وعار تتناقله الأجيال، الخصوم يبغون الفتنة وهم يبغون السلام.
بإباء الضيم تكون الأمة قوية القنا، جليلة الجاه، وفيرة السناء، تزحزح سحائب الظلم والاستعباد، لا تستكين لقوة، ولا ترهب لسطوة.