للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخبار الصلح بين المجاهدين الأفغان]

السؤال

فضيلة الشيخ: ما هي أخبار الصلح الذي كنت أحد أعضائه في أفغانستان؟

الجواب

عموماً الجهاد الأفغاني حينما ابتدأ لا شك أنه كان انطلاقةً انتشت لها الأمة، وأمة الإسلام أمة مجاهدة، وكان طريقاً -إن شاء الله- نحسبه سليماً وصحيحاً، وكانت الأمة متعطشة، ويجب أن نعرف هذا، وأن يعرف ولاة الأمور في كل بلاد إسلامية مثل هذا، وأن يعرفوا نفسيات الأمة وتطلعها ومصدر عزها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم} فحينما ظهر الجهاد تطلعت الأمة ورفعت رأسها، وكان طريقاً لعزها، وكان جهاداً في سبيل الله عز وجل، وتحمس العلماء والدعاة والشباب والناس لهذا، وكان هناك صدىً واسعاً والحمد لله، ونحسب أنه لا زال كذلك، لكن لا شك أنه حصلت خلافات قديمة ليست جديدة -كما تعلمون- واحتكاكات وصراعات، وحصل ما حصل، ومن آخرها هذه الفتنة الأخيرة، والتي كنت واحداً ممن ذهبوا، وهي فرصة للإنسان إلى أن يطلع عن كثب إلى الأحوال والوقائع، والذي يمكن أن يقال في هذا مع الأسف: إن الخلاف سنة ماضية في البشرية كلها {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:١١٨ - ١١٩] ولكن المهم الذي يجب أن نبحث عنه هو كيفية الخروج من الخلاف؟ وإلا فالخلاف لا يمكن الخروج منه ولا بد أن يقع، لكن كيف نتحكم فيه؟

حينما ننظر في سيرة صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده؛ نجد أنه أثيرت فيهم قضايا كبرى أوشكت أن تهدد مصير الأمة، وأحياناً قد تدخل قضايا عقدية، فقد اختلفوا في الخلافة، ووصل الخلاف فيهم إلى شيء كبير، حتى إنهم في أثناء المناقشات وحينما قال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، وقال أبو بكر: أنتم الوزراء ونحن الأمراء، قال قائلٌ من الأنصار: أنتم قتلتم سعد بن معاذ، وصل الحال إلى أن قال عمر رضي الله عنه: بل قتله الله، أي: مات ميتةً طبيعية، لكن أراد الله سبحانه وتعالى وقال عمر لـ أبي بكر: ابسط يدك نبايعك، فبسط يده فبايعه فتتالى الناس حتى اتفقوا.

إذاً: الخلاف يحصل، لكن علينا أن نحتويه، هذا هو المهم، على معنى أن نحتوي آثاره، وقد اختلفوا في كتابة المصحف، فاحتووه وما انشقوا، وعلى الرغم أن بعض الناس ما كان يرى -مثلاً- رجحان إمامة أبي بكر، ومع هذا سلَّم وبايع، وقد يرى بعض الناس رأي عمر في كتابة المصحف، حتى إنهم قالوا: نصنع شيئاً لم يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم! ومع هذا لما اتفق ساروا عليه، وما انشق أحدٌ، وما بدع وما فسق، وقال: هذا شيء لم يفعله وهذا خلاف.

وهناك قضايا كثيرة، والأوضح من ذلك قضايا كبرى تهم الأمة، مثل سواد العراق، اختلفوا فيه حتى قيل لـ عمر: انظر أمراً يسع المسلمين كلهم، فنظر عمر إلى ما نظر، ثم تبعه الناس، وما انشقوا عليه، وإن كانوا تفاوضوا واختلفوا ولكنهم ساروا مع رأي الإمام، وإن كان بعضهم يعتقد أنه مرجوح، وهذا مهم جداً، يجب -أيها الإخوة- أن تتنازلوا عن آرائكم ولو كانت في ظنكم راجحة، إذا كان في ذلك جمع الكلمة وما دام أنه في حدود، بل حتى ولو كان حقاً.

عائشة رضي الله عنها حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثها عن الكعبة ويريها أركانها، وقال: {إن قومك قد قصرت بهم النفقة فبنوه على غير قواعد إبراهيم، ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة ولأقمتها على قواعد إبراهيم} فترك هذا الأمر وهو حق وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بعد الفتح، وقد هدم الأصنام ولكن هذه تركها، قال العلماء: وفيه دليل على أن للعالم أن يترك أو يكتم ما هو حقاً في بعض الأمور إذا خشي على العامة.

فالقضية خطيرة، وليست سهلة.

ومن هنا لا أقول لكم إلا ما قال شيخنا عبد العزيز بن باز حفظه الله، فالقضايا العامة التي تمس الأمة يجب أن يكون لنا رأي موحد يصدر عن جهة معينة موثوقة، والشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله أصدر في أول الأمر ما أصدر، ثم أصدر بعد ذلك ما أصدر، فيجب أن نتوحد، ولا يمكن أن نصل إلى شيء وإنما هو تشقيق ثم يصل إلى اتهامات، ولا يمكن أن يكون إلا هذا.

أنا لا أتكلم عن أفغانستان إنما أتكلم عن الذين هنا، فالأفغان فيهم ما فيهم، لكن لماذا ننقله هنا، بل -والله- إن الذي هنا أشد من الذي هناك من حيث نوع النقاش الذي يدور، فقبل أن أسافر وبعد أن جئت وأنا في مكة كان إخوة من الشباب الأفاضل يتحمسون ويصدرون ويتحدثون، فذهبنا هناك وكل ما لمسناه من الطرفين عندما استمعنا واجتمعنا وتحدثنا ونقلنا إلى كلا الطرفين ما يدور في الطرف الآخر، وكلٌّ نفى ما اتهم به بانت الحقيقة واتضحت، وإن كانت هناك اتهامات قد يكون لها أصل -وأنا لست في مقام التحقيق- وأيضاً يجب أن تعلموا حينما يكون هناك مصالحة أو نريد -فعلاً- عمل صلح لا يجب أن ندقق في النقاش، ولا يمكن أن نصل إلى هذا، ولجنة الصلح هي التي تدقق في القضايا التي يتصالحون عليها، أما حينما نصلح نحن هنا فعلينا ألا نغوص، لأننا إذا غصنا لا يمكن أن نصل إلى حل.

هذا الذي يمكن أن يقال في المقام، والحديث يطول.