أيها المؤمنون: إن الواقع لشاهدٌ على أن هذه الأمة إن لم تجتمع على الدين فلن تجتمع على غيره، وإن لم تعتصم بحبل الله فرقها أعداء الله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}[آل عمران:١٤٩ - ١٥٠] فليس إلا الإسلام جامعاً، وليس غير الدين مؤلفاً.
إن الانفصال عن دوحة الدين المباركة، والانقطاع عن الموكب المحمدي، والإعراض عن الإسلام الميمون؛ خسارة لا تعوض؛ بل هلاكٌ ما بعده هلاك، مهما ظهر البريق، ومهما عظم السراب، إنها لا تعوض بلباقة أو كياسة، ولا تعوض ببراعة أو حسن سياسة، لا يغني عنها مظاهر ولا حسن أزياء.
إن المظاهر والقشور لا تغني فتيلاً عن الحقيقة والجوهر، إن العبرة والمعول على ما يعمر القلوب من إيمانٍ ويقين، وليس بما يكسوا الأجساد من فاخر الثياب وأنواع المياثر.
لقد خرج الفاتحون من المسلمين إلى العالم بثيابٍ مرقعة، ونعالٍ مخصوفة، يروي الحافظ ابن كثير في تاريخه، فيقول: لما قدم عمر رضي الله عنه الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع نوقيه -يعني: خفيه- فأمسكهما بيده، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة منتقداً: قد صنعت اليوم صنعاً عظيماً لأهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فضربه عمر على صدره، وقال:[[أو غيرك يقولها يا أبا عبيده؟! إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبون العزة بغيره يذلكم الله]].
هذا هو واقع التاريخ يا أمة محمد!
الله أكبر الله أكبر لا إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
إن الاستقلال المنشود، والعز المبتغى هو الاعتزاز بالإسلام والعمل به، والمذلة والمهانة والتبعية بالتطلع إلى السير في ركاب الحضارات الخاوية، والإصرار على تطبيق نظم غير إسلامية في بلاد الإسلام وفي بيوت المسلمين.
إن الله قد اختار هذه الأمة لحمل أمانة الوحي، فإن استهانة بهذا الاصطفاء، وتركت العمل بدينها، وهدرت الدعوة إليه، ورضيت بأن تكون ذليلة وراء هذا أو ذاك، فما أهونها على الله، وإن الله لها لبالمرصاد:{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}[الملك:٢٠].