أولاً: عبادة الله عز وجل، والعبادة أنواعها كثيرة وأصنافها كثيرة، أهمها الواجبات الشرعية وأداء الفرائض، ولعلَّ من الأسرار التي تدل على أهمية الوقت أن الفرائض الشرعية مؤقتة بأوقات، لكل فرض وقته لا يتعداه، وإذا أخرجه المكلف عن وقته أصبح آثماً إذا كان من غير عذر.
إذاً هذا يدل على أن شريعتنا تحاسبنا على أوقاتنا، تهتم بالأوقات، وجعلت لكل وقت عبادته الخاصة.
إذاً: المحافظة على الفرائض من الصلوات الخمس في جماعة المسلمين، والفرائض الأخرى من بر الوالدين وصلة الأرحام والصيام والحج حسب الشروط الشرعية والزكاة، إن كنت من أهل الزكاة وهكذا.
ثم أيضاً البعد عن جميع المحرمات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عن شيء فانتهوا} فالمنهيات لا بد أن تترك بالكلية وليس فيها ما استطعتم، إنما يجب اجتنابها بالكلية.
ومن أثمن ما يصرف فيه الوقت: الاشتغال بطلب العلم النافع، وأنفع العلوم علوم الشريعة، ففيها عبادة، وفيها نفع ذاتي شخصي ونفع للناس، ثم العلوم الأخرى التي تحتاجها الأمة؛ فإن أهل العلم ذكروا أنها فرض كفاية؛ كالطب والهندسة والزراعة والتجارة وأمثالها مما تحتاجه الأمة، حيث معرفة فروع هذا العلم ومقاصد هذا العلم بما تقوم به حياة الأمة، وبما تستقل به الأمة حق استقلالها، وحينما يكون المنتسب إلى هذه العلوم مسلماً صادقاً صالحاً خالصاً مخلصاً، فحينئذٍ يكون للأمة استقلالها الحقيقي، أما حينما يكون تابعاً، أو بتعبير أحق وأحط: حينما يكون ذنباً يردد ويقول ما يقوله أعداء الإسلام، فحينئذٍ يكون ضرره أكبر من نفعه، وإنما المسلم الحق هو الذي يأخذ من هذه العلوم ما وافق الشريعة منها، ويكون صادقاً في التعلم وفي نفع المسلمين.
ومما يحفظ به الوقت كذلك وتحفظ به الصحة أيضاً والفراغ: الأعمال النافعة كالتجارة والزراعة وصنوف المكاسب والأعمال، وهي كثيرة في المجتمع، يقوم بها المسلم أولاً لينفع نفسه ثم ليقوت من تحته، وينفق على من تلزمه نفقته، ثم ينفع المسلمين، ومعلوم أن كل هذه الأمور إذا صدقت فيها النية، فهي عبادة وداخلة في مفهوم العبادة، حتى أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:{يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟} فالعلم النافع والكسب الحلال والعمل المشروع هذا كله عبادة إذا صلحت فيه النية وصدق صاحبها، وسلك في طلبها الوسائل المشروعة.