للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين الخلطة والعزلة]

حينما يكون الحث على الجماعة والاجتماع فليس المقصود من ذلك صرف جميع الأوقات في التردد على البيوت، وغشيان جميع المجالس، فالحق أن كل إنسانٍ محتاج لأوقات يخلو فيها بنفسه ليقوم بواجبٍ خاص، أو يتقرب بنافلة، أو يقضي مصلحة، وفي مثل هذا يقول عمر رضي الله عنه: [[خذوا حظكم من العزلة]]، فالمسلك العدل، والمنهج الوسط في تقسيم المسلم وقته بين خلطة حسنة، وخلوة نافعة، ليخرج من الحالين بما يصلح به الشأن كله.

وفي الخلطة يتخير المؤمن إخواناً يصطفيهم لنفسه، يعيش في أكنافهم من أهل الصدق والصلاح والوفاء، فإنهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء، وقد قيل في الحكمة: مِن أعجز الناس مَن قصر عن طلب الإخوان، وأعجز منه من ظفر بذلك منهم فأضاع مودتهم، وإنما يحسن الاختيار لغيره من أحسن الاختيار لنفسه.

ويقول علي رضي الله عنه: [[شرط الصحبة: إقالة العثرة، ومسامحة العشرة، والمواساة في العسرة]]

وعلى الإخوة في علاقاتهم: الابتعاد عن التكلف، وتجنب التصنع الثقيل، فإشاعة اليسر في المسالك، والبعد عن المواقف الحرجة والمداهنات البغيضة مما يوثق العرى، ويجلب المودة {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:١٨ - ١٩].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.