للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بذل الوسع في الأسباب لا ينافي التوكل]

السؤال

سؤالان متشابهان: يقول الأول منهما: فيما يتعلق بالأسباب يأخذ بعض الناس بعض الأسباب، بل أدنى الأسباب، ويترك أعلاها، وخاصة في بعض الأمور التي يمكن اتخاذ أسباب عدة لها فلو اتخذ أسباباً أعلى يضمنها الشرع؟

السؤال الآخر يقول: هل بذل سبب واحد يكفي إذا لم ينفع، أم بذل أسباب أخرى من الواجب مع فشل السبب الأول؟

الجواب

هذا السؤال غير واضح، لكن فيما يتعلق بالأسباب: الإنسان هو حاكم نفسه ومعلِّم نفسه، بل إذا كان الإنسان كسولاً، فغالباً أنه يُرْجِع الأمور إلى الآخرين، أو يجعل التبعات على الآخرين، وإذا كان ذا همة وعزيمة، فغالباً أن يطرق كل ما يرد في خاطره من أسباب، فالقضية ترجع إلى همة الإنسان، وإلا فالمطلوب منه أن يطرق كل ذلك، وأن يبذل كل سبب، ولا أظن أن هناك سبباً واحداً، في كل أمور الدنيا إنما إذا وجدتَ أن هذا السبب قد استغلق عليك، فانتقل إلى شيء آخر، أو حتى هذا الطريق إذا استغلق عليك فاذهب إلى غيره، أو هذا الباب الذي توجهت إليه سواءً أكان عملاً أو كان زواجاًً أو كان صنعةً، إذا كان هذا الباب ما أفلحت فيه، وقد بذلت جميع الأسباب الموصلة إليه، ثم لم تصل، فانتقل إلى سبب آخر، وهذا معروف، فالناس في حياتهم ومعاشهم يستطيعون أن يتصرفوا، أما الكسول، أو الاتكالي، فهذا هو الذي غالباً يقول: حاولتُ فما استطعتُ، ولهذا يقول البيت المعروف:

أخْلِقْ بذي الصبر أن يظفر بحاجته ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبواب أن يَلجا

فلا شك أن الإنسان لا بد أن يدمن القرع ويكثر، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم-: {إن الله يحب الملحِّين في الدعاء} والله عزَّ وجلَّ لو شاء لأعطاك مباشرة؛ لكن لا بد من إلحاح وبذل سبب، ومن ذلك -أيضاً- ما ذكره أهل العلم فيما يتعلق بمريم عليها السلام حينما أمرها الله عزَّ وجلَّ أن تهز جذع النخلة حتى يتساقط، فقال أهل العلم:

ألم تر أن الله قال لمريم وهزي بجذع النخل يساقط الرطب

ولو شاء أن تجنيه من غير هزه جَنَتْه ولكن كل شيء له سبب

فالله عزَّ وجلَّ كان بإمكانه أن يسقطها عليها بدون هز، لكنه تعليم بالأسباب، فالمقصود أن التوجه نحو بذل ما تستطيع من أسباب، وطرق ما تستطيع من أبواب هذا هو الذي يفعله أصحاب الهمم العالية.