[المنظور المعاصر للرعاية الاجتماعية]
نأتي الآن إلى الرعاية الاجتماعية في المنظور المعاصر:-
قبل الحديث عن العصر الحاضر يحسن أن ننبه إلى متغيرات لا بد من ملاحظتها مع العصر الحاضر.
لقد حدث في الوقت الحاضر ونتيجة للانقلاب الصناعي الذي لم يعد مقتصراً على الدول الصناعية، بل تعداه للدول النامية، حدث تغير أدى إلى تخلخل التركيبة الاجتماعية، وطبيعة العلاقات الاجتماعية والأسرية.
ومن مظاهر ذلك:
أولاً: تحول السكان من الأرياف والقرى والبوادي إلى المدن مما أضعف دور الجماعات الأولية، كالأسرة والأقرباء والجيران وأهل الخير.
ثانياً: حلت مؤسساتٌ مجتمعيةٌ في المناطق الحضرية محل الأسرة وأهل الخير في أداء كثيرٍ من وظائفها حتى التعليم والصحة، وقد كانت في السابق هي مسئوليات أسرية خالصة.
ثالثاً: قلَّ إسهام الأطفال وكبار السن في الحياة الأسرية في المناطق الحضرية بعد أن كان إسهامهم رئيسياً في الزراعة والرعي، بل وفي كل مناشط الحياة.
رابعاً: ضعف أثر الدين أن الذي كان يحكم العلاقات الاجتماعية من الحياة الزوجية والأقربين والأرحام مما أدى إلى تفككٍ ملحوظ، بل لقد كانت الأسرة في السابق تضم ثلاثة أجيالٍ تحت سقفٍ واحد مع الأقرباء والخدم وغيرهم، وهذا الضعف بالتالي أدى إلى التقليل من مقدرة الأسرة على رعاية المسنين والمعاقين وأصحاب القوى الضعيفة والناقصة.
خامساً: التقلبات الاجتماعية والجغرافية والوظيفية -بل والحياة الشخصية- في المدن أضعفت من روابط الجيرة، وكذلك المهن الحرفية التي كانت قوية في العهود السابقة تلاشت؛ لأنه جاء عصر الآلة.
سادساً: عصر الآلة الحاضر أدى إلى تعطل كثيرٍ من الحرف والمهن، مما يترتب عليه فائضٌ في العمالة يفوق باستمرار فرص العمل المتاحة مع تدني الأجور وشروط العمل الثقيلة وعدم مسايرة المهارات للتطور التقني المذهل.
هذه المتغيرات جعلت من الملاحظ أن برامج الرعاية الاجتماعية تختلف في مداها وممارستها وتنظيمها من بلد إلى بلد، ومن فترة إلى فترة، بل إنها قد تختلف حسب الظروف وطبيعة الأخطار، والتقلبات في الأقاليم والمناطق مناخياً واقتصادياً ونوع الحرف والمهن، حتى قالوا: إن إصابات العمل في البلدان الصناعية أكثر منها في غيرها.
بعد هذا التمهيد والمتغيرات نأتي إلى الاتجاهات في وظيفة الرعاية الاجتماعية في المنظور المعاصر:-
أي: المنظور المعاصر ما هي نظرته إلى الرعاية الاجتماعية؟ هل هي وظيفة الدولة؟ أو وظيفة القطاع الخاص؟ أو وظيفة الأسرة؟ إلخ.
هناك اتجاهان جليان وكبيران، ولكلٍّ وجهته، فالباحثون والكاتبون في الرعاية الاجتماعية لهم اتجاهان في النظر إلى الرعاية الاجتماعية ودورها الوظيفي في المجتمع.