[أحكام التعزية والنياحة]
الحمد لله خلق فسوى، وقدَّر فهدى، وأسقم وعافى، وأمات وأحيا، وأنَّ عليه النشأة الأخرى.
أحمده سبحانه وأشكره، يُجزي كلُّ نفس بما تسعى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، هدى من الضلالة، وبصَّر من العمى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، هم المعالم على الهدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد:
فلتعلموا -رحمكم الله- أن من آداب الجنائز: الحمد والاسترجاع والرضا، قال سبحانه: {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٥ - ١٥٧]، وليقل: {اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها} وحزن القلب، وبكاء العين من طبع النفس وجبلتها لاحرج فيه ولا مآخذه، فقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، وذرفت عيناه، وقال: {إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون}.
وتحرم النياحة: وهي شيء زائد عن البكاء، من رفع الصوت، وضرب الوجه، وشق الجيب، وجذب الشعر ونشره، وفي الحديث: {ليس مِنَّا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية}
وقد برأ الرسول صلى الله عليه وسلم من الصالقة: وهي التي ترفع صوتها عند المصيبة.
ومن الحالقة: وهي التي تحلق شعر رأسها جزعاً.
ومن الشاقة: التي تشق جيبها تسخطاً.
يقول عبيد بن عمير: " ليس الجزع أن تدمع العين، ويحزن القلب؛ ولكن الجزع القول السيئ والظن السيئ ".
ومن الآداب الشرعية المرعية: تعزية أهل الميت؛ فقد جاء في خبر مرفوع: {من عزَّى أخاه المؤمن في مصيبته كساه الله حلة خضراء يحظر بها يوم القيامة، قيل: يا رسول الله! ما يحظر بها؟ قال: يغضب} فيعزيهم بما يسليهم، ويكف أحزانهم، ويحملهم على الرضا والصبر، ويأتي من الدعاء والألفاظ ما ظهر في السنة، وما لا يخالف الشرع، كأن يقول: إن لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب، فأحسن الله عزاءك، وجبر مصابك، وأعظم أجرك، وغفر لميتك، وأخلفك خيراً منه، وألهمك الصبر، ورزقك الشكر، والمحروم من حرم الثواب، والمألوم من جزع لأليم المصاب.
إن لله عزاءً من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل بائس، فبالله فثق، وإياه فارجُ، فإن المصاب من حرم الثواب، وإياك أن يحبط جزعك أجرك، فتندم على ما فات من ثواب مصيبتك، وإنك لو اطلعت على عظمة ما أعد الله لفضل المصابين لعرفت أن المصيبة قد قصرت عن الثواب.
يقول الحسن البصري رحمه الله: [[ما من جزعتين أحب إلى الله من جزعة مصيبة موجعة محرقة ردها صاحبها بحسن عزاء وصبر وجزعة غيظ رده صاحبها بحلم]].
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- وتذكروا واعتبروا، ثم صلوا وسلموا على من خاطبه ربه بقوله: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:٣٤] نبيكم محمد رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم؛ فقال عز قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦]
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة وأعداء الملة والدين، اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعبادك الصالحين.
اللهم عافنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وأيده بالحق وأيد الحق به، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك، وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين، وفي كشمير وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم اجعل الدائرة على أعدائهم يا قوي يا عزيز.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.