[معنى الرعاية الاجتماعية]
أحمد الله تبارك وتعالى وأثني عليه بما هو أهله، أشكره ولا أكفره، وأومن به وأتوكل عليه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة الحق واليقين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فبتحية الإسلام -أيها الإخوة- أحييكم، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ثم أشكر لمركز الأمير سلمان الاجتماعي تكرمَه بدعوتي للحضور مع هذا الجمع الطيب المبارك، وإن كان مَن يُخَص بالشكر، فهو الأستاذ: عبد العزيز الغريب، وسعادة المدير العام المهندس: عبد العزيز اليوسفي، والشكر للمقدم الأخ الشيخ: حمود السالمي، وأشكر لكم جميعاً حضورَكم وحسنَ ظنكم بمحدثكم، والشكر كذلك جملةً لهذا المركز لكل توجهه وللقائمين عليه ومن يحمل اسمه لإتاحة هذه الفرصة، بل لإتاحة هذه الأنشطة لتُقام في هذه الرقعة العزيزة من بلادنا، بل من الرياض رياضنا النضرة، وسوف يكون لي في عناصر هذه الكلمة جزءٌ من حديث عن هذا المركز.
أيها الإخوة: كما سمعتم، فإن عنوان الكلمة هو: الرعاية الاجتماعية في الإسلام، وقد رأيت أن تكون هذه الكلمة مشتملة على العناصر التالية:
أولاً: معنى الرعاية الاجتماعية، أو ما أسميتُه: مدخلاً تعريفياً.
ثانياً: الإسلام والرعاية الاجتماعية.
ثالثاً: دور الخلفاء والملوك وأهل الثراء في مثل هذه الأنشطة أو المناشط.
رابعاً: ميادين الرعاية الاجتماعية وبخاصة من جملة المناشط الإسلامية في السابق مما دلت عليه نصوص الشرع وقام ماثلاً في تاريخ أمتنا.
خامساً: الرعاية الاجتماعية في المنظور المعاصر.
سادساً: السعودية والرعاية الاجتماعية.
سابعاً: مركز الأمير سلمان الاجتماعي.
فمن حيث التعريف أو المدخل التعريفي فإن الرعاية الاجتماعية سوف ينتظم تعريفُها ببيان حقيقتها وأهدافها، وإشارة سريعة -مع أنها سوف تأتي مفصلة- إلى من ينتظمهم نشاط الرعاية الاجتماعية.
فالرعاية الاجتماعية: كفالة اجتماعية تنظر إلى الاحتياجات الإنسانية نظرة متكاملة ولا تظنوا -حينما نقول: كفالة- أنها كفالة قاصرة على المسنين أو على أصحاب القدرات القاصرة، فسوف ترون أن الرعاية أوسع من ذلك وأشمل، فهي كفالة اجتماعية تنظر إلى الاحتياجات الإنسانية نظرة متكاملة لا تبتغي الربح من وراء عملها، شعارها: (الرفاهية للجميع) بطريقة علمية مفيدة، من غير إحساس بشفقة خاصة أو استضعاف أو ممنونية.
وأعداء الإنسانية في منظور الرعاية الاجتماعية خمسة: الجوع، والمرض، والجهل، والبطالة، والتشرد.
الهدف الأسمى للرعاية الاجتماعية: هو تأمين مستوىً كريم من المعيشة والخدمات الأساسية للجميع، بمعنى: أنه إذا كان هناك من يناله بجهده وبمِلكه الخاص وبقدراته الخاصة فإن الرعاية الاجتماعية توفر ذلك لمن ينتظم فيها وينتسب إليها، ولقد قال أهل الاختصاص: إن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى مراجعة منتظمة بين فَينة وأخرى حسب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية حيث تتغير الحاجات التي تحتاج إلى إشباع، وهذا سوف نأتي إليه مفصلاً -إن شاء الله- في ثنايا هذه الكلمة من حيث المتغيرات التي أدت إلى أن يلتفت الناس إليها، وبخاصة في عصرنا الحاضر إلى مثل هذا النوع من النشاط.
وزيادة في التعريف والإيضاح: فإن الرعاية تعني -وهذا هو المهم- تحقيق تكافؤ الفرص، أي: أنها مبادئ وأسسٌ وتوجهاتٌ تحكم الأعمال الجماعية المتعلقة بكثيرٍ من الجوانب الإنسانية والعلاقات بين الناس، غير مرتبطة بالعلاقة الاقتصادية البحتة، أو الوظيفية ذات المردود المادي.
وحيث إننا بصدد التعريف، فلا بد من الإيضاح أن الرعاية الاجتماعية غالباً ما تتوجه إلى العناية بالإنسان حين يكون عاجزاً عن رعاية نفسه، وهذا غالباً هو المفهوم السائد، ولكن الذي يبدو -وما سوف نرى- أن ذلك أوسع؛ لكن لا بد أن نشير إلى هذا؛ لأننا بصدد التعريف، فلا يمكن أن يُغفَل هذا الجانب، وهو من أهم مناشط ومفاهيم الرعاية الاجتماعية.
إن الرعاية الاجتماعية غالباً ما تتوجه إلى العناية بالإنسان حين يكون عاجزاً عن رعاية نفسه.
ومن هنا فإن وظيفة الرعاية تنصب على برامج التأمين ضد الشيخوخة، والعجز، وإصابات العمل، وموت العامل، ورعاية الأمومة، وفُشُو البطالة، ورعاية الأسرة، والعلاوات الأسرية، أي: أنها تلاحظ فئات من المجتمع تغيرت عليهم الأيام أو لحقت بهم كوارث أو حلت بهم نوازل، كما قد يُبتلى بعضهم بعاهاتٍ أو إعاقات، يستحقون معها رعاية خاصة تحافظ عليهم ليبقوا منتمين إلى الجماعة، مرتبطين بالمجتمع، قادرين على العطاء، وقادرين على التكيف في ذات الوقت.
وإذا كان هذا الشمول كله يتناول معنى الرعاية الاجتماعية كمصدر مستقل من مصادرها ومراجعها، فإن المسئولية فيها لا تخص فرداً أو فئة، بل إنها مسئولية مشتركة، يسهم فيها المجتمع والأمة والدولة، غير أنها قد تبدأ متدرجة من الأسرة والوالدَين، ثم القرابة والخيرين الموسرين، ثم على الدولة أن تتحمل مسئوليتها وتقدم الرعاية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وهذا التوزُّع في المسئوليات هو ما سوف يتجلى من خلال الكلمات القادمة إن شاء الله.
إذاً: هذا هو تعريفها من حيث حقيقتها، ومن حيث أهدافها، ومن حيث المنتمين إليها، والقائمين عليها.