[حقوق الإنسان في بلاد الحرمين]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاًً فيه كما يُحب ربنا ويرضى، والشكر لله على ما أولى من نِعمٍ سابغة وأسدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُقرب لديه زلفى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، كَرُمَ رسولاً، وشرف عبداً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه نجوم الدجى، ومصابيح الهدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجم فاهتدى.
أما بعد:
أيها المسلمون: حقوق الإنسان شعارٌ باهر، ذو جمالية في العبارة، وبريقٍ أخاذ، إلا أن رصيده لدى الشعوب ضعيفٌ للغاية، ومرد ذلك إلى غلبة الهوى، واضطراب المصالح، واختلاف المعايير، وسلوك مسلك الانتقائية والتشهي، مما ينفي حالة الثبات والاستقرار على مبادئ واضحة، فهي مع الأسف شعارات وقتية متغيرة متقلبة، تجري حسب الأهواء والمصالح، وحسب أحوال الرضا والغضب، خاضعة لنسبية الزمان والمكان والظروف والأحوال، ومن أجل هذا فإن من المتحتم رعاية الخصوصيات الدينية والثقافية، والأعراف الصحيحة، والتقاليد الحسنة.
وبلاد الحرمين الشريفين - المملكة العربية السعودية - نموذجٌ للخصوصية الإسلامية في الالتزام بالدين والتمسك بالعقيدة وتطبيق الشريعة، وفي التميز الفكري، والاجتماعي، والأخلاقي.
المملكة تضم أهم مقدسات المسلمين، مكة المكرمة، والكعبة المشرفة، أول بيتٍ وضع للناس، والمدينة المنورة - طيبة الطيبة- ومسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
بلاد الحرمين: هي منطلق الإسلام ومنبعه، ومبعثه، فيها تكونت أول أمة أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
بلاد الحرمين ملتزمةٌ بدين الله، مستمسكة بشرعه حاكماً وموجهاً وضابطاً في كل شأنٍ من شئونها، يدخل في ذلك ما تحدثه من أنظمة تتطلبها حركة النمو والتطور، وهذا الالتزام يظهر الخصوصية الإسلامية بكل وضوح تعلنه الدولة في المحافل الدولية وفي كل مناسبة، ويُشرفها أن تكون النموذج الذي ينظر إليه في العلاقات الدولية بين العالم الإسلامي والعوالم الأخرى، ولقد نصَّ نظامها الأساسي الإسلامي على أن الدول تحمي حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية.
ومما ينبغي أن يُعلم، أن ميزة حقوق الإنسان التي نصَّ عليها هذا النظام أنها قواعد شرعية، وأحكامٌ دينية واضحةٌ المعالم، محددة المفاهيم، وليست شعاراتٌ تُردد، أو مبادئ باهتة تدخلها الإدِّعاءات الفارغة، مما يضيعها ويذيبها؛ بل قد يجعلها ضارة بالفرد والمجتمع.
ومن أجل هذا كله فليعلم أن أهل هذه البلاد أصحاب رسالة تنزلت من السماء، يحاكمون إلى تعاليمها كل شأنٍ من شئونهم، فما وافقها ولو كان مجلوباً إلى أرضنا فهو حق، وما خالفها ولو كان عُرفاً مقرراً لدينا فهو باطل، ولقد قال مسئول كبير في هذه البلاد كلمة فاصلة حين قال: إذا كانت هذه المنظمات تجادلنا في مدى تطبيقنا للشريعة كما هي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما سار عليها الخلفاء الراشدون والتابعون لهم بإحسان، فمن حقهم المناقشة والمسائلة، أما إذا كان اعتراضهم على الإسلام عقيدة وشريعة فذلك ما نرفضه كل الرفض، ونأباه كل الإباء، ولسوف نستمسك بالإسلام، ونعيش على الإسلام، ولسوف يعيش عليه حاضرنا إن شاء الله، وتعيش عليه أجيالنا إن شاء الله حتى يرثَ الله الأرض ومن عليها، أحبَّ من أحب، وكره من كره؛ لأنه لا عز لنا إلا بالإسلام، فعلينا أن نعض عليه بالنواجذ.
إن على هذه الهيئات -والكلام لا يزال للمسئول- أن تعلن مواقفها: هل تطبيق الحدود الشرعية ضد حقوق الإنسان؟
وهل التعزيزات الشرعية لحفظ الأمن وسلامة المجتمع ضد حقوق الإنسان؟
وهل يرحم المجرم ليضيع حق المعتدى عليه؟
ولكن الذي يبدو أنه ليس هذا الوطن هو المستهدف، بل عقيدة هذا الوطن هي المستهدفة، ومن هنا فلا مكان للحوار حول عقيدتنا وشريعتنا التي رضيها لنا ربنا وارتضيناها شاكرين لربنا حامدين.
وبعد: فمرةً أُخرى رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وعلى الله توكلنا، وكفى به هادياً ونصيراً.
ألا فاتقوا الله -أيها المسلمون- ثم صلوا وسلموا على الرحمة المسداة، والنعمة المهداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز قائلٍ عليم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك ومنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأصلح بطانته، واجعله نصرةً لأوليائك، وحرباً على أعدائك، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك؛ لإعلاء كلمتك، وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم سدد سهامهم وآراءهم، وثبت أقدامهم، وأنزل السكينة عليهم، واجعل الدائرة على أعدائهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.
اللهم أنت الله لا إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، واجعل اللهم ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ذِينَ سَبَقُ