[الطريق لتصحيح أوضاع الأمة]
ومن أجل تلمس طريق المعالجة -معاشر المسلمين- لا بد من التأكيد على أن أولى الأوليات أن تعلم الأمة علم اليقين أنها لن ترتفع لها راية، أو يعلو لها شأن إلا بصدق الإيمان، ونقاء التوحيد، وصفاء الإخلاص، إيمانٌ يستنير به القلب، وتستقيم به الجوارح، وهذا لا يكون إلا بتربية جادة، وإنك لتحزن حينما لا ترى إلا آثار تربية هشة، وأن طاقات الأمة تستنزف في أمور تذهب بحلاوة الإيمان، وتضعف جذوته، وكيف يتصور التطلع إلى النصر بنفوسٍ لم تذق حلاوة الإيمان: {ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله رباً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً}.
كما يجب التأكيد: أن الطريق الصحيح ومنهج التصحيح، في مواجهة ضغوط الخارج وتحدياته، ليس بالاشتغال بالرد عليها؛ مما قد يجر أو جر إلى معارك خاسرة، ولكن الإصلاح الحقيقي، والتصحيح الجاد، يتمثل في التوجه نحو الداخل وتصفيته وتنقيته: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:١٢٠].
ولا ريب أن التصحيح من الداخل شاقٌ على النفس، وثقيلٌ في الممارسة؛ لأن الإنسان في هذه الحالة سوف ينقد نفسه، وسوف يصلحها، أي أنه: يجعل من نفسه الحجر والنحات في آنٍ واحد.
وإن أصحاب الطريق المسدود والمتأزمين، هم الذين يسلطون سياط نقدهم دائماً نحو الخارج.
{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:١٢٠] آية كريمة، ومعلمٌ بارز، وراية مرفوعة، في رسم الطريق لهذا الإصلاح الداخلي، ويقترن بهذه الآية آية أخرى توجه إلى مواجهة الخارج بالنقد الداخلي والإصلاح والتحسين، واقرءوا في خبر غزوة أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥].
إنه ليس من الحكمة تضخيم شأن العدو إلى الحد الذي يجعل تصور هزيمته شيئاً بعيداً، فالعدو بشر له حساباته، وله موازناته، وله مشكلاته وإمكاناته: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤].
إن النصر العام لا بد أن يسبقه نصر خاص.
إن الأمة المنتصرة على أعدائها؛ هي أمة قد حققت قبل ذلك نصراً داخليا.
ومما يجب التأكيد عليه أخيراً: سلاح الصبر، والمراد بالصبر هنا: احتمال المشاق والديمومة في تأدية التكاليف مهما كانت قسوة الظروف.
إن الصبر لا يعني الاستسلام للأحوال السيئة والظروف القاسية، ولكنه يعني عدم اللجوء إلى الحلول السريعة.
إن الجري وراء الحلول السريعة لمشكلات مستعصية مآله الإحباط واليأس، أو الاندفاع والتهور، مما يزيد المشكلات تعقيداً ويجعل الحل الحقيقي بعيد المنال.
إن الصبر توظيفٌ صحيح للوقت والزمن؛ لحل أوضاعٍ لا يُستطاع حلها في الوقت القريب.
وبعد أيها المسلمون: {فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا} وإن في رحم كل ضائقة أجنة انفراجها، ومفتاح حلها، وطريق ذلك -بإذن الله- دينٌ صحيح، وعقلٌ مستنير، ومبضع جراح، وحرقة والدة، وعلى الله قصد السبيل، وهو الغالب على أمره: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:١٨٦].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.