[سبيل الجنة]
الحمد لله، رضي من عباده اليسير من العمل، وتجاوز لهم الكثير من الزلل، وخص من شاء بهدايته وتوفيقه نعمة منه وفضلاً، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة موقنٍ بها، آخذٍ بمقتضاها قولاً وعملاً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، رحمة العالمين، وقدوة العاملين، وحجة السالكين، لا نبتغي إلى السعادة بغير طريقه أملاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد سأل الصحابي الجليل، الفقيه بالحلال والحرام، ومبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعليم والقضاء والفتية: معاذ بن جبل رضي الله عنه، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويبعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٦ - ١٧] ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله.
قال: رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه وقال: كفَّ عليك هذا.
قلت: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُ الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم} أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
أيها الإخوة: هذه هي الجنة، وهذا هو سبيلها، فهل رأيتم أشد غبناً ممن يبيع الجنان العالية بحياة أشبه بأضغاث أحلام؟ يبيع الفردوس بدنيا قصيرة، وأحوال زهيدة مشوبة بالنار ممزوجة بالغصص، حياةٌ حقيرة؛ إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرَّت أياماً أحزنت دهوراً، أي سفه وأي عته ممن يبيع مساكن طيبة في جنات عدن بأعطانٍ ضيقة، وخرابٍ بور، فيا حسرة هذا المتخلف حين يعاين كرامة الله لأوليائه، وما أخفي لهم من قرة أعين، فلسوف يعلم أي بضاعة أضاع!!
فاتقوا الله رحمكم الله، وبادروا وشمروا، واعملوا وأحسنوا وأبشروا.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد رسول الله فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وذرياته، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الملة والكفرة الطغاة والملحدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحبه وترضى، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم فارج الهم، وكاشف الغم، ومجيب دعوة المضطرين نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً غدقاً سحاً مجللاً هنيئاً مريئاً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم غيثاً تُحيي به البلاد، وتُغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللهم اسقِ عبادك وبهائمك وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم وأيدهم وثبت سهامهم وآراءهم واجعل الدائرة على أعدائهم يا قوي يا عزيز ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.