الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه حمداً لا يُحدَّ، وأشكره شكراً لا يُعدَّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث إلى الأبيض والأحمر والأسود، صلى الله وسلم وبارك عليه، هدى بإذن ربه إلى السبيل الأقوم، والمنهج الأرشد، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم وجد واجتهد.
أما بعد:
أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، جدوا في طلب الخيرات، واغتنموا أوقاتكم في الأعمال الصالحات.
أيها الحاج الكريم: ها أنت تخطو خطواتك إلى هذه الأرض الطيبة الطاهرة المقدسة، خطوات وئيدة مهيبة، تَقبَّلَ الله حجك، وغفرَ ذنبك، وشكر سعيَك، إنها أرض الإسلام الأولى، لقد كانت ميداناً لأروع حوادث التاريخ، وأخلد ملاحم الإنسانية، هذه الأرض المباركة بكعبتها ومسجدها، وشعائرها ومشاعرها، تروي تاريخاً طويلا، زاخراً بألوان الجهاد، وصور البطولات، ومصارع الشهداء، وجميل الانتصارات، يتردد في أجوائها وأصدائها نداء محمد صلى الله عليه وسلم حين انبثق معه نور الإسلام، فتغيرت معالم التاريخ، وقفزت الإنسانية إلى أسمى آفاقها.
هل تعيش -أيها الحاج! حفظك الله- هذه المشاعر والأحاسيس؟
وهل ملكت عليك روحك وقلبك ونفسك وجسدك؟
هل أدركت أن الحج ركن جديد من أركان التواصل، ورباط وثيق بين الماضي والحاضر والمستقبل؟
إنه شاهد التاريخ، ونور العقيدة، وبرهان الإيمان.
إنه الركن والرباط الذي يجعلك تقف موقف الناظر المتأمل والمحاسب والمقارن.
الحج مدرسة، والحج موقف، يا ترى! هل تحسن المقارنة؟ وهل تتقن الموازنة؟
ها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب لأمرائه وولاته أن يوافوه بالموسم ليبحث شئون الأقاليم وأمور الرعية؛ ليتحقق من بسط العدل، ويطمئن على وصول الحق.
هذا موقف.
وفي مقابله يقف رجلٌ من ساسة الغرب صارخاً في قومه، بل في العلية من قومه ليقول: إن العقبة الكئود أمام الاستقرار والتمكن من الإسلام وأهل الإسلام وديار الإسلام، شيئان لا بد من القضاء عليهما مهما كلَّفنا الأمر، أولهما: هذا الكتاب، ويعني به القرآن العظيم، وسكت قليلاً ثم اتجه نحو المشرق قائلا: وهذه، وأشار بيده نحو الكعبة، ألا شُلَّت يمينه.