للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفقه الواجب]

هناك نوعان من الفقه: النوع الأول مطلوب من الجميع، والنوع الآخر مطلوب من بعضهم.

العلم الذي هو مطلوب من الجميع هو ما يسميه العلماء: فرض العين، وفرض العين مطلوب من كل مكلف؛ لأن كل المسلمين مطالبون بأحكام الشرع ما كان منها فرض عين، وفروض الأعيان معروفة، فمنها ما يتعلق بتحقيق التوحيد، وشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومعرفة ذلك؛ بحيث يعبد كل مكلف ربه على بصيرة، ولهذا قال الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:١٩].

فهناك نوعٌ من العلم لا بد من التفقه فيه، وهو فروض الأعيان: من تحقيق التوحيد، ومعرفة معنى لا إله إلا الله والعمل بمقتضاها ومعرفة معناها، وما أثبتت وما نفت -فلا بد أن يعرف ذلك كل مكلف- ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله وتحقيقها ومقتضى الطاعة والتسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من المقتضيات المهمة، ولا بد أن يعرفها كل مكلف، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦]، وكما قال الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].

فمقتضى الشهادة: أن يخضعوا لله عز وجل ولرسوله وأن يستسلموا وأن ينقادوا، وكل ما جاءهم عن الله وعن رسوله فعلى العين والرأس.

هذه قضية كبرى لا بد أن يفقهها كل مكلف، ولهذا كان من دقائق دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما بثه من معلومات في كتبه الصغيرة للعامة: كـ الأصول الثلاثة والقواعد الأربعة ونحو ذلك، فلا بد أن يفقهوها وأن يعرفوها، وكان هذا من فقهه رحمه الله، أنه بث مثل هذا، ولا يكاد يوجد عامي في كثير من الأعصار السابقة إلا كان يفقهها ويكاد يحفظها عن ظهر قلب؛ لأنه يعرف معانيها، فهي من الأمور الهامة جداً التي تتعلق بجميع الناس.

ومن ذلك الصلاة والصيام والحج لمن قصد الحج، والزكاة لمن كان ذا مال، فلا بد أن يعرف ويفقه هذه الأحكام.

فالصلاة غير الصحيحة مردودة على صاحبها، والرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى المسيء صلاته قال: {ارجع فصل فإنك لم تصل}.

فهذا فقه لا بد منه لكل الناس، وهو فقه في الدين، وفي فروض الأعيان من الصلاة والصيام والزكاة لمن عنده مال، وكذلك أيضاً ما يتعلق بالحج لمن يحج.

وكذلك الأمور التي تتعلق بخاصته: إذا كان تاجراً فلا بد أن يعرف أحكام التجارة، حتى لا يقع في المحرم، ليس الواجب أن يعرف كل الواجبات والسنن، إنما يعرف المحرم ليتقيه، من الربا والغش والتدليس، والمعاملات المشتبهة لا بد أن يفقهها التاجر، وهي في حقه فرض عين.

الزارع لا بد أن يفقه الزراعة، ويعرف الأمور التي تتعلق بأحكام زكاة الزروع، وكذلك أصحاب المواشي، وأصحاب السائمة والرعاة، كل هؤلاء لا بد أن يعرفوا الأحكام المتعلقة بأمورهم؛ لأنها أمور مطالبون بها، وهم مكلفون بحدود ما اهتموا به.