[اعتزاز السلف الصالح بإيمانهم]
الحمد لله الكبير المتعال، المتنزه عن الشركاء والأنداد والأمثال، أحمده سبحانه وأشكره بلسان الحال والمقال، فهو ذو الجود والإفضال.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، ذو العزة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، شامخ العزة وكريم الخلق وشريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المآل.
أما بعد:
فاتقوا لله عباد الله، واستقيموا على طاعته؛ فقد قال: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر:١٤].
أيها المسلمون: في ماضي تاريخ المسلمين مرت فتراتٍ حوالَيه، مستهم فيها البأساء والضراء وزلزلوا، فاجتاح التتار ديار المسلمين، فضج منهم السهل والجبل، وأريقت دماء، وسجل التاريخ هول المناظر، وبشاعة الأحوال، وقد وُقِّف زحفُهم، ولكن لم يوقفه إلا العودة إلى الأصل والمنبع، إنه الإسلام ولا شيء غير الإسلام الذي تردد في بطاح عين جالوت، ولم يوقف تيار التتار سوى هذا النداء، نداء الإسلام: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:٨].
أيها الإخوة: إن العزة الحقة حقيقةٌ تستقر في القلب، فيستعلي بها المرء على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله، عزةٌ يستعلي بها على الشهوات المذلة، والرغائب القاهرة، وحين تتحقق العزة لمؤمن، فلن يملك أحدٌ إذلاله وإخضاعه، وإنما تذل الناسَ شهواتهم ورغباتُهم، ومطامعُهم ومخاوفهم.
أيها الإخوة: ليست العزة عناداً جامحاً، يستكبر على الحق، ويتشامخ بالباطل، وليست طغياناً فاجراً، يضرب في عتوٍ وتجبر، وليست اندفاعاً، يخضع لنزوة، ويذل لشهوة، لكنه استعلاءٌ على الذلة والمهانة، واستعلاءٌ على الخضوع لغير الله.
هاهو ربعي بن عامر، ابن الصحراء الجافة القاحلة، يباشر الإيمانُ قلبَه، ويستبطن القرآن بين جنبيه، فيقف أمام قائد الفرس، فيسأله رستم، بأبهته وعسكره: من أنتم؟ فيجيب ربعي بن عامر في عزة المؤمن إجابةً خلدها التاريخ: [[نحن قومٌ ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] إنها عزة النفس، وعلو العقيدة، وشموخ الراية التي يقف تحتها المؤمن في مواجهة أعداء الله.
إنها الثقة بالحق الذي معه، والخير الذي يحمله، عزةٌ تجعله يحمل الآخرين على الحق، لا أن يذوب معهم في الباطل، وهي قبل ذلك وبعده الثقة بالله، والثقة بغلبة الحق وأهله، مهما أصابه من قرحٍ في مسيرة الحياة الطويلة، كما قال عز وجل: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٣٩ - ١٤١].
فهل يفقه هذا أهل الإسلام؟! وهل يعي المسلمون تاريخهم ومسيرة دينهم؟!
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز قائلاً عليما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأزواجه وذريته، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، المهاجرين منهم والأنصار، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة، وسائر أعداء الدين.
اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الصالحين.
اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأعزه بالحق، وأعز الحق به، وأعز الحق به، واجعله نصرة للإسلام وللمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم كتابك وسنة نبيك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ؛ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.