[أمور تعين على تحقيق العبودية]
الحمد لله؛ شرع لنا من الدين ما وصى به المرسلين، أحمده تعالى وأشكره وأومن به وأتوكل عليه، إياه نعبد وإياه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: إن مما يعين على تحقيق العبودية وإحسان العبادة حضور القلب، وإخلاص النية، وتحديث القلب وتذكيره بالتعبد لله في حال العبادة وخارجها، وهذا التذكير نهرٌ يمد القلب باللين والرقة والخشوع حتى لا يشح ماؤه، ولا يصيبه القسوة عياذاً بالله.
أيها المسلمون: ولكل عبادة تهيؤ يناسبها، فمن التهيؤ للصلاة حسن الاستعداد من إسباغ الوضوء، والتبكير إلى المسجد، والمشي بسكينة ووقار، يقارنه تهيؤ نفسي ومعالجة قلبية.
ومن التهيؤ للحج والعمرة رد الأمانات والمظالم إلى أهلها، وتحري النفقة الحلال، واختيار الرفقة الصالحة، ورعاية آداب السفر، وغير ذلك مما يعين على تحقيق المقصود من العبادة.
كما ينبغي في كل عبادة الابتعاد عما يشوش القلب، فينخلع القلب عن علائق الدنيا وينجذب بكليته إلى ربه ومولاه.
ومما ينبغي أن يعلم أن ربنا جل شأنه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، وفي الحديث القدسي: {يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً} ومع غناه سبحانه فإنه يحب المتقين، والمحسنين، والصابرين، والتوابين والمتطهرين.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واسألوه العون على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله، فقال سبحانه وهو الصادق في قيله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة، وسائر أعداء الملة والدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتأييد والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، وألبسه لباس الصحة والعافية، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم إن اليهود المحتلين الغاصبين قد طغوا وبغوا، وآلوا وأفسدوا، وقتلوا وشردوا، وأهلكوا ودمروا، اللهم اجعل بأسهم بينهم، وفرق جمعهم، وشتت شملهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين!
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن جميع بلاد المسلمين يا رب العالمين!
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.