[مدنية العصر دعوة صارخة لهتك الأعراض]
أيها الإخوة: إن الأسف كل الأسف والأسى كل الأسى! فيما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض، ووأد كريه للغيرة، فتجد تفاصيل الفحشاء تعرض من خلال وسائل النشر والإعلام المختلفة، بل إنه ليرى الرجل والمرأة يأتيان الفاحشة وبواعثها ومثيراتها ويشاهدان وهما يعانقان الرذيلة غير مستورين عن أعين المشاهدين والناظرين، لقد انقلب الحال عند كثير من الأقوام، بل الأفراد والأسر، حتى صار الساقطون الماجنون يُمثلون الأسوة والقدوة، ويجعلون من منكرهم وسام افتخار وعنوان رجولة.
تصوروا -رعاكم الله وحماكم- خبيثاً وخبيثةً يقفان على قارعة الطريق ليمارسا الفاحشة علانية كما تفعل البهائم من الحمير والخنازير أعز الله مقامكم ونزَّه أسماعكم!
هل خلت النفوس من الغيرة؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟ هل في الناس دياثة؟ هل فيهم من يقر الخبث في أهله؟
لا يدري الغيور من يخاطب، هل يخاطب الزواني والبغايا؟ أم الكرام والحرائر؟
إن المدينة المعاصرة هي: إعلان للفحشاء بوقاحة، وإغراق في المجون بتبجح، أغاني ساقطة، وأفلام آثمة، وسهرات فاضحة، وقصص داعرة، وملابس خالعة، وعبارات مثيرة، وحركات فاجرة، ما بين مسموع ومقروء ومشاهد، في صور وأوضاع يُندى لها الجبين في كثير من البلاد والأصقاع إلا من رحم الله على الشواطئ والمنتزهات، وفي الأسواق والطرقات، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
حسبنا الله من أُناسٍ يهشون للمنكر، ويودون لو نبت الجيل كله في حمأة الرذيلة، وحسبنا الله من فئاتٍ تود لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة.
ما هذا البلاء؟ كيف يستسيغ هذا ذوو الشهامة من الرجال، والعفة من النساء؟
كيف يستسيغون لأنفسهم ولأطفالهم ولفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاء المدمر من ابتكارات البث المباشر، وقنوات الفضاء المباشر؟! أين ذهب الحياء؟! وأين ضاعت المروءة؟!
أين الغيرة من بيوت هيأت لناشئتها أدواء الفتنة، وجرتها إلى مستنقعات التفسخ جراً، وجلبت لها محرضات المنكر، تدفعها إلى الإثم دفعاً، وتدعها إلى الفحشاء دعاً؟!
اطلعت امرأة شريفة على الخمر، ثم سألت: هل تشرب هذا نساؤكم هذا؟ قالوا: نعم، قالت: زنين ورب الكعبة.
أيها الإخوة والأخوات: إن طريق السلامة لمن يريد السلامة بعد الإيمان بالله ورحمته وعصمته، ينبع من البيت والبيئة، فهناك بيئات تنبت الذل، وأخرى تنبت العز، وثمة بيوتات تظللها العفة والحشمة، وأخرى ملؤها الفحشاء والمنكر.